
وكالة تهجير إسرائيلية.. مخطط قديم أفشله الفلسطينيون
الرأي الثالث - وكالات
يواجه الفلسطينيون في غزة تحديات خطيرة وسط تداعيات الحرب الأخيرة، حيث تصاعدت المحاولات الإسرائيلية الرامية إلى إعادة صياغة مستقبل القطاع، من خلال تغيير تركيبته السكانية.
حيث تتزايد التحركات السياسية والعسكرية الإسرائيلية التي تستهدف الوجود الفلسطيني، وبرزت مؤخراً ملامح خطة تهدف إلى تشجيع ما تصفه تل أبيب بـ"الهجرة الطوعية" لسكان القطاع.
وكالة ترحيل الفلسطينيين
وفي هذا الإطار، يأتي إعلان وزارة الحرب الإسرائيلية عن تأسيس وكالة خاصة تُعنى بتنظيم عملية مغادرة سكان غزة الراغبين في الانتقال إلى دول ثالثة، وذلك ضمن إطار أوسع للتعامل مع واقع ما بعد الحرب الدائرة.
وبحسب بيان رسمي صادر عن الوزارة، فقد قرر وزير الحرب، يسرائيل كاتس، إنشاء مديرية متخصصة تحت إشراف وزارة الدفاع، تتولى تنسيق الإجراءات المتعلقة بـ"المغادرة الطوعية"، وتستند الخطة إلى توفير دعم مادي ولوجستي شامل لمن يرغبون في مغادرة القطاع، بما يشمل تسهيلات في النقل البحري والجوي والبري.
يأتي هذا التحرك بعد توجيه كاتس للجيش، في وقت سابق، بإعداد تصور لآلية تتيح للسكان مغادرة القطاع طوعاً، ويعتبر المسؤول الإسرائيلي أن هذه الخطة ستسهم في إعادة إعمار غزة تحت شروط جديدة، تشمل نزع سلاح فصائل المقاومة الفلسطينية.
وتتقاطع الرؤية الإسرائيلية لما بعد الحرب أيضاً مع ما طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي اقترح ترتيبات تتضمن إعادة إعمار القطاع تحت إشراف دولي، مع ترحيل أعداد من سكانه إلى دول مجاورة.
ورغم الرفض العربي والدولي لهذه الأفكار فإنّها تجد صدى لدى بعض المسؤولين الإسرائيليين مثل وزير المال بتسلئيل سموتريتش، الذي دعا حركة "حماس" إلى إلقاء سلاحها ومغادرة القطاع، مهدداً بتصعيد عسكري شامل في حال عدم الاستجابة.
وفي ذات الإطار، شدد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، على رفضه لعودة حكم "حماس" أو السلطة الفلسطينية إلى غزة، مؤكداً تبنيه لرؤية ترتكز على ضمان السيطرة الإسرائيلية الأمنية ومنع أي تهديدات مستقبلية تنطلق من القطاع.
وتعكس هذه التطورات توجهاً إسرائيلياً نحو إعادة رسم المشهد الديمغرافي والسياسي في غزة، وسط تساؤلات متزايدة حول إمكانية تطبيق هذه المخططات على أرض الواقع في ظل الرفض الإقليمي والدولي، والتعقيدات الإنسانية والأمنية التي يشهدها القطاع.
صمود فلسطيني
يقول الصحفي الفلسطيني محمود مطر إن إنشاء الوكالة الإسرائيلية لتشجيع التهجير يدل على أن الاحتلال بات يعمل بشكل حقيقي على تنفيذ نوايا ورغبات الرئيس الأمريكي لتهجير سكان قطاع غزة إلى خارج فلسطين.
ويوضح أن "خطورة هذه الأمور تكمن في مساعي الاحتلال للمضي قدماً في تشجيع وترغيب الفلسطينيين بوسائل عديدة ودفعهم لترك منازلهم وأراضيهم، لا سيما بعد الدمار خلال أشهر الحرب التي شهدها قطاع غزة".
ولفت مطر إلى تشبث الفلسطينيين في غزة بأرضهم ووطنهم وصمودهم أمام هذه الخطوات والإغراءات التي تعمل عليها إدارة الاحتلال بدعم أمريكي، "والخيار والمانع الوحيد لهذه الخطة استمرار هذا الصمود الفلسطيني".
ويضيف أن إنشاء هذه الوكالة يأتي ضمن سلسلة محاولات وإجراءات للاحتلال تمتد عقوداً من الزمن، لفرض خطط تهجير عديدة، لكنها فشلت كلياً، وكانت آخرها الحرب الوحشية على قطاع غزة.
وأكد مطر أن الصمود الفلسطيني "يبقى الركيزة الأساسية لإحباط كل هذه المحاولات المستمرة من قبل الاحتلال، حيث يرفض الفلسطيني أن يُهجّر من أرضه ومنزله رغم كل هذا الدمار والمآسي التي يعيشها داخل قطاع غزة".
كما يشير إلى أن الصمود الفلسطيني ينطبق أيضاً على مناطق الضفة الغربية، حيث يواجه الفلسطينيون كافة مخططات التهجير التي يمارسها الاحتلال، "لكن هذا الصمود يتطلب جهوداً ودعماً عربياً وإسلامياً حقيقياً، وأن تُترجم التصريحات الإعلامية على أرض الواقع".
ويعتقد مطر أن المجتمع الدولي يمتلك أدوات سياسية ودبلوماسية متنوعة لمنع تنفيذ مخططات التهجير للفلسطينيين، التي يسعى لها الاحتلال بدعم الرئيس الأمريكي، "حيث يمكن نصرة الحق الفلسطيني من خلال اتخاذ العديد من الإجراءات والخطوات التي تمنع تنفيذ هذه المخططات".
البرنامج السري للترحيل
تتجدد الطروحات الإسرائيلية بشأن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، في سياق يمتد لأكثر من ستة عقود، حيث تكشف وثائق وتقارير حديثة عن جذور عميقة لهذه السياسة، تعود إلى ما بعد حرب 1967.
وسلطت صحيفة "إسرائيل اليوم"، في 16 فبراير الجاري، الضوء على عمليات تهجير سابقة لسكان غزة، نفذتها "إسرائيل" في أعقاب حرب الأيام الستة (1967)، عبر آلية سرية أشرفت عليها شخصيات إسرائيلية بارزة، وأسفرت عن ترحيل نحو 50 ألف فلسطيني إلى دول عدة، منها باراغواي.
وتشير الصحيفة المتشددة إلى أن تلك الآلية بقيت طي الكتمان لعقود قبل أن تخرج تفاصيلها إلى العلن، موضّحة أن السلطات الإسرائيلية، في تلك الفترة، استخدمت الحوافز المالية،
ووعدت الفلسطينيين بأراضٍ زراعية لتشجيعهم على الهجرة، كما كان عملاء جهازي "الموساد" و"الشاباك" ينشطون في غزة لإقناع الأهالي بترك منازلهم.
ولم تقتصر التحركات في هذا الاتجاه على الماضي، إذ كشفت اجتماعات سرية منذ اندلاع الحرب الأخيرة في أكتوبر 2023 عن استمرار التفكير في تنفيذ مشاريع ترحيل،
ووفقاً لمصادر إسرائيلية، فقد ناقش رئيس الوزراء ووزراء آخرون خططاً للتنسيق مع دول أفريقية مثل رواندا والكونغو لاستقبال فلسطينيين من غزة، إلا أن هذه الجهود اصطدمت برفض عربي ودولي واسع.
وذكرت الصحيفة العبرية في تقريرها الموسّع أن وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية، جيلا غمليئيل، قدمت اقتراحاً مكتوباً لإقامة مخيمات مؤقتة في سيناء المصرية، تمهيداً لنقل السكان لاحقاً إلى دول أخرى، وهو ما أثار تحفظات كبيرة من الجانب المصري.
ويؤكد التقرير أن مشاريع الترحيل ليست مجرد أفكار طارئة، بل تمثل امتداداً لعقيدة إسرائيلية تعرف باسم "الترانسفير"، تهدف إلى تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها الأصليين،
ومع ذلك يرى مختصون أن فرص نجاح هذه الخطط في الوقت الراهن ضئيلة، في ظل الرفض الفلسطيني والإقليمي، إضافة إلى تعقيدات القانون الدولي.
وكشف التقرير أن وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، ونتنياهو، غرسا فكرة التهجير الطوعي للفلسطينيين في ذهن ترامب بلقائهما معه قبل عدة أشهر من توليه منصب الرئاسة الأمريكية.
وبينما تعود هذه السياسات إلى الواجهة مع دعم بعض الأطراف في إدارة ترامب، يتواصل الجدل حول مدى واقعية هذه المشاريع، وهل تظل مجرد نظريات، أم أن الظروف الراهنة قد تمهد لتكرار سيناريوهات التهجير القسري التي شهدها التاريخ الفلسطيني.
رفض عربي ودولي
أثار الكشف عن ملامح الخطط الإسرائيلية الأمريكية لتشجيع ما تصفه بـ"الهجرة الطوعية" للفلسطينيين من قطاع غزة موجة رفض واسعة على المستويين العربي والدولي.
وأعلنت دول مجلس التعاون الخليجي رفضها القاطع لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين من غزة، معتبرة ذلك انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان والقانون الدولي،
وشددت على أهمية الحفاظ على الهوية الفلسطينية وحق الشعب في البقاء على أرضه، داعية المجتمع الدولي إلى التحرك الفوري لوقف أي خطط تهدف إلى تغيير التركيبة السكانية في القطاع.
بدورها أكدت مصر موقفها الثابت الداعم لحقوق الفلسطينيين، حيث رفضت القاهرة أي محاولات لتهجير سكان غزة إلى أراضيها، مشددة على ضرورة التوصل إلى حل سياسي عادل يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وتمسّك الأردن بموقفه الحاسم، الذي رفض بشكل قاطع أي مشاريع تهدف إلى ترحيل الفلسطينيين إليه، محذراً من عواقب تلك الخطط على استقرار المنطقة، كما شدد على ضرورة وقف الاستيطان الإسرائيلي، والالتزام بحل الدولتين.
وامتد الرفض ليشمل دولاً عربية أخرى، حيث تبنت الجزائر وتونس والمغرب والعراق، وغيرها مواقف مشابهة، داعية إلى حماية الشعب الفلسطيني وضمان بقائه في أرضه.
وعلى الصعيد الدولي، أعلنت فرنسا وألمانيا وأستراليا وكندا والصين وروسيا، وعدد آخر من الدول، معارضتها الصريحة لأي خطط ترحيل قسري للفلسطينيين، معتبرة ذلك انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي.
كما أعلن مشرعون أمريكيون خلال زيارة لـ"إسرائيل" في 18 فبراير، رفضهم لخطط تهجير الفلسطينيين من غزة لكونها غير قابلة للتنفيذ، وأعربوا عن أملهم بخطة عربية بديلة.