
ماجستير المشاّط، عنوان لصراعات متعددة المستويات (1-2)
للمدرسة وظيفة اجتماعية متعددة الاوجه منها انها المدخل الاول والضروري للسلّم الاجتماعي.
وهي دلالة على مقدار العدالة الاجتماعية وفاعليتها. ومن خلالها يتشكل رأسمال اجتماعي وثقافي عني بورديو بدراسته لكشف اللاعدالة القبلية رغم وهم تساوي الفرص.
يدرس الناس للحصول على المعرفة لكنهم يفعلون ذلك بوعي عملي كي يجدوا فرص اجتماعية .
ومن المدرسة تتكون أسس الطبقة الوسطى بحدّيها؛ الأعلى والادنى.
لا تقف المدرسة عند المسويات الدنيا في المراحل التعليمية بل تستمر إلى شهادتك الدكتوراة ومابعد الدكتوراة. ولهذه الشهادة العليا وظيفة اجتماعية كبيرة خارج اطارها الاكاديمي.
هي رمز لمكانة اجتماعية ورأسمال ثقافي يعود على شكل رأسمال مادي: تحسين راتب، الحصول على درجة وظيفية عليا الخ.
والطبيعي ان يسارع الناس في مراحلهم العمرية الأولى أو مضمارهم المهني الأولي إلى تعظيم الدرجات العلمية لتعظيم الفرص أمامهم.
لكن لماذا يحرص من يشغلون مناصب عليا في سلطة الحوثي على اكتساب الشهادات العليا ؟
للإجابة على هذا السؤال نحتاج اولا معرفة الحقول الاكاديمية التي يسعى هؤلاء النفر إلى الحصول على شهادات فيها. ثانيا تشريح للسياق العام الذي يعلنون او يمارسون مراسم الحصول على شهادات أكاديمية عليا.
نجد ان السنوات الاخيرة قد أفرزت ظاهرة حصول عدد كبير من السياسيين وكبار رجال الدولة وقيادات الاحزاب على شهادات عليا وبعض هذه الشهادات من مؤسسات وهمية وبعضها في مواضيع معرفية تعكس حقل الصراع السياسي والفكري في اليمن سيما وأغلبيتها في الحقل الديني.
وكثير من السلفيين والاصلاحيين حصلوا أو التحقوا ببرامج شهادات الدكتوراة في السنوات الاخيرة وهذي مسألة جديرة بالانتباه وليست مجال اهتمامنا هنا لانها نابعة من صراع بين رجال الدين والطبقة السياسية داخل هذه المكونات.
، لكن اللافت في هذه الظاهرة هي الشهادات التي تقدمها جامعة صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين والتي خضعت لهندسة كلية حتى يعاد تعريف دورها ووظيفتها وتوجهاتها مع انها الجامعة الام في اليمن والأقدم تأسيسا وكانت قد قطعت شوطا في بنائها المؤسسي والأكاديمي منذ عقود.
كثير من الاطروحات التي تناقَش تعكس الهيمنة الايديولوجية للجماعة الحوثية اولا ورغبتها في توجيه الاشتغال الاكاديمي بما يناسب سلطتها وهيمنتها وترسيخهما باسم العلم ومن داخل الصروح الاكاديمية.
وهذا يعني خروج الجدل الديني والمذهبي من المنابر التقليدية كالمساجد والإعلام والمراكز البحثية ومراكز الدراسات التابعة لجماعات متعددة إلى داخل العملية التعلمية وصروحها.
الشهادات النابعة سيما الماجستير والدكتوراة هي حصيلة طبيعية لاستعمال القوة وإقحام الأكاديميا فيها. وغرض الجماعة اسباغ صفة اكاديميا على معتقداتها وتكريس هيمنة مذهبية وبناء سردية وطتية جديدة تؤله مذهب وأئمة. اي صراع على التاريخ والذاكرة.
ثانيا المجال الاخر من الشهادات ياتي من العلوم السياسية والادارة والشريعة والقانون. وهذه معارف حكم وسلطة .
لم نسمع كثيرا ان قائدا حوثية حاز على شهادة الماجستير في الفلسفة او علم الاجتماع لان هذه العلوم لا تمكنه في الحكم بل تحثه على التفكير.
اي انها شهادات وظيفية تخدم رغبة الجماعة في التمكن من ادوات السلطة وفنون الحكم ليس إلا. وليس رغبة محض في كسب المعارف والتراكمي المعرفي المتنوع.
الوجه الاخر من المسألة هو ان المعرفة اداة صراع. او لنقل وسيلة تدافع بالمعنى القراني. لكنها هنا اداة صراع متعدد الطبقات كما سنرى.
وصلت الجماعة الحوثية إلى الحكم عبر البندقية. جماعة مقاتلة جيدة التنظيم أجادت اقتناص الفرصة ونفذت من الشروخ الاجتماعية والسياسية للنخب اليمنية حتى استولت على العاصمة وكبريات المدن. لم تكن لديها خبرة ادارة لأي منطقة لانها لم تكن عمليا تسيطر على منطقة على نحو كامل وتحكمها بطريقة ذاتية. هيمنتها كانت مسلحة وقبضة امنية وبقية اوجه الحياة في مناطقها تسير بموارد الدولة المركزية وموظفيها.
لكن كيف استطاعت الجماعة الحوثية ادارة المشهد وهي هكذا مفرغة من القدرات؟
استطاعت عبر شبكة تحالفات كبيرة خلقتها الجماعة الحوثية واستندت إلى امسكاها بالقوة العسكرية وسرعة التحرك.
دخلت صنعاء بتحالف مع نظام صالح ورجاله. لكنها لم تكن تأمن جانبه. وكان تحالفها الاهم والعضوي هو تحالف النخبة المقاتلة الصعداوية مع النخبة المدنية الهاشمية في صنعاء.
إلى جانب انفراط عقد التحالف الحوثي الصالحي ظهرت شقوق لهذا التحالف العضوي الهاشمي أفرزت هواشم الطيرمانات وهي النخبة الأرستقراطية المدنية والتي كانت الأداة الناعمة للإدارة بحكم انغماسها الكلي في مفاصل الدولة وخبرتها الكبيرة وراسمها الثقافي الهائل وهواشم صعدة وتابعيهم من المقاتلة القبليين.
مصطفى الجبزي