النفوذ السعودي في اليمن يتطلب إدارة دقيقة
منذ اندلاع الحرب في اليمن لعبت السعودية دورًا متباينًا بين دعم الحكومة الشرعية والبحث عن حلول سياسية تحقق مصالحها الاستراتيجية ومع التغيرات التي طرأت على المشهد الإقليمي باتت المملكة تركز على ضرورة وجود حكومة يمنية قادرة على استعادة الاستقرار وتقديم الخدمات وفي الوقت نفسه لاتكون على تحالف أو نفوذ من قبل أيران
وفي سبيل ذلك تعمل المملكة على استخدام أدواتها التقليدية مثل المساعدات المالية لدعم الفاعلين السياسيين من الأحزاب السياسية والمشائخ والعسكريين والإعلاميين وكل الذين ينسجمون مع رؤيتها لمستقبل اليمن
ومن المتوقع أن يكون لهذه المساعدات تأثير سلبي طالما لايستفيد من هذه المساعدات غالبية الشعب اليمني ويستفيد منها مجموعة من الفاسدين أو الأطراف التى تعيش على معاناة اليمنيين ومخاوف السعودية
رغم ذلك فإن الدعم السعودي لليمن لا يخلو من التحديات فاليمنيون سواء في الحكومة أو في الشارع ينظرون إلى هذا الدعم بعيون مختلفة إذ يرى البعض فيه ضرورة اقتصادية بينما يعتبره آخرون تدخلًا غير مرحب به في الشؤون الداخلية
وهذا يعكس التناقضات التي تحكم العلاقة بين البلدين والتي تتراوح بين التعاون والاعتماد المتبادل من جهة والرفض والعداء من جهة أخرى خاصة من جانب الذين يعارضون أي نفوذ سعودي في البلاد
مع ذلك فإن دعم السعودية لليمن لا يقتصر على الجانب السياسي فحسب بل يشمل أيضًا البعد الاقتصادي والإنساني حيث تظل المملكة أكبر مانح للمساعدات الإنسانية والتنموية في اليمن وتعتبر الوجهة الرئيسية للعمال اليمنيين الذين يشكلون جزءًا مهمًا من الاقتصاد اليمني من خلال تحويلاتهم المالية ولا يزال اليمنيون يعتمدون على سوق العمل السعودي كمصدر رئيسي للدخل
وهذا الارتباط الاقتصادي يعزز العلاقات بين الشعبين لكنه في الوقت نفسه يخلق توترات خاصة في ظل السياسات السعودية المتغيرة تجاه العمالة الوافدة وفي المستقبل قد تلعب هذه المسألة دورًا محوريًا في تحديد طبيعة العلاقات بين البلدين خاصة إذا زادت الضغوط الاقتصادية على العمال اليمنيين في السعودية ومع ذلك فإن استمرار النفوذ السعودي في اليمن يتطلب إدارة دقيقة للعلاقات مع كل الأطراف وضمان تحقيق تقدم سياسي حقيقي يدعم الاستقرار على المدى البعيد
مع ذلك من المؤكد أن تستمر المملكه في اتباع سياسة مزدوجة من جهة تعزيز نفوذها في المناطق التي ترى فيها تهديدًا لمصالحها ومن جهة أخرى الحفاظ على مستوى من التهدئة مع الذين يعارضون نفوذها لتجنب تصعيد قد يضر بالاستقرار الإقليمي ورؤية المملكة 2030 وستظل الأولوية هي ضمان عدم وقوع اليمن تحت هيمنة القوى المنافسة وبالذات ايران مع الحفاظ على نهج براغماتي يوازن بين المصالح الإقليمية والاستقرار المطلوب لجذب الاستثمارات
ومع استمرار المتغيرات الجيوسياسية سيظل نجاح هذه السياسة مرهونًا بمدى قدرة السعودية على تحقيق التوازن بين القوة والنفوذ من جهة والاستقرار والتعاون الإقليمي من جهة أخرى
تمثل العلاقات بين المملكة العربية السعودية واليمن نموذجًا معقدًا من التداخل الجغرافي والسياسي والاقتصادي الذي لا يمكن فصله بسهولة فعلى الرغم من التوترات والصراعات التي طبعت هذه العلاقة لعقود تظل المملكة لاعبًا رئيسيًا في الحياة السياسية والاقتصادية لليمن
فالسعوديين لديهم علاقات بكل المكونات السياسية والقبلية في اليمن وهم أكثر خبره باليمنيين أكثر من غيرهم ولديهم قدرة وبرغماتيه كبيرة في التعامل مع هذه التغيرات فمن كانو بالأمس أعداء للسعوديه ولا يتفقون معها في التوجهات السياسية وكان عدائهم للسعوديه معلن عبر وسائل الإعلام أستقبلتهم السعوديه وتعاملت معهم كحلفاء جدد تتوافق مصالحها مع عدائهم لخصومها ومن كانو حلفاء وأصدقاء أصبحو خصوم
وهذه المرونة في التعامل السياسي من جانب الممللكه يعطي لها قدرة على الاستجابة لكل المتغيرات السياسيه التي تحدث في اليمن والتعامل معها وفي ظل الأزمات المتفاقمة والمشاكل التى تعاني منها اليمن قد يؤدى خلال العقود القادمة أن تكون المملكة العربية السعودية الوجهة الأولى للعديد من اليمنيين الذين سيفقدون سبل العيش في اليمن
وهذا الواقع سيفرض تحديات جديدة على السياسة السعودية تجاه اليمن حيث قد تجد المملكة نفسها أمام موجة من اللاجئين الذين لا يمكن تجاهلهم وسيكون على السعودية أن توازن بين احتياجاتها الاقتصادية وأمنها الداخلي من جهة ومتطلبات التعامل مع هذه الأزمة الإنسانية المحتملة من جهة أخرى
العلاقة بين السعودية واليمن ليست فقط علاقة دول بل علاقة شعبين تحمل تصورات متباينة تجاه بعضها البعض فمن جهة هناك اعتماد واضح للحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دوليًا على المملكة ومن جهة أخرى هناك عداء قوي من جانب المعارضين لها الذين يرون خلاف ذلك أما على المستوى الشعبي فقد تراكمت تصورات غامضة عن السعودية لدى اليمنيين على مدى عقود حيث يُنظر إلى المملكة أحيانًا كداعم اقتصادي ضروري وأحيانًا أخرى كقوة تحاول فرض نفوذها
إن كل ماتحتاجه السعوديه اليوم في اليمن هو مشروع سياسي واقتصادي جديد يتلائم مع استراتيجياتها الجديدة السياسية والاقتصادية حيث اصبحت المملكة وجهة مهمه عالمية لمحادثات السلام بين اطراف عالمية واقليمية أخرها المحادثات بين روسيا والولايات المتحدة لذلك فإن هذا الوقت هو الوقت المناسب عن أعلان مشروع عربي جديد من أجل السلام في اليمن من خلال حوار شامل من أجل الحل السياسي الشامل بين كل الأطراف اليمنيه حتي لا تظل اليمن رهينة لبعض المغامرات الغير محسوبة
والتي ستكون نتائجها استمرار لعدم الاستقرار في المنطقة ومعاناة الشعب اليمني ومجابهة الأعداء الذين يتربصون بالمنطقة
قد لا يعجب كلامي البعض ولكن في مثل هذة الأمور يجب ان يكون كلامنا وأفعالنا لما يخدم بلادنا ومنطقتنا لان المصالح بين الدول والشعوب لا تحكمها العواطف وانما المصالح المشتركة ولا يمكن لليمن أو السعودية الاستغناء عن بعضهما البعض فالتداخل الجغرافي والاقتصادي والسياسي يجعل من المستحيل فك هذا الارتباط رغم استمرار التحديات
* سفير بوزارة الخارجية