الإمارات وموازين القوة في اليمن بين دعم الجنوب وإعادة تموضع الشمال

 منذ اندلاع الحرب اليمنية عام 2015 برز الجنوب اليمني بوصفه ساحة حيوية لصراع النفوذ والتحولات الجيوسياسية وكان لدولة الإمارات العربية المتحدة دور مركزي في هذا المشهد إذ تبنت مقاربة متعددة الأبعاد ركزت على الأمن والسياسة والتنمية.. 

 وقد شكل تدخلها فارقاً نوعياً في مسار تطور القضية الجنوبية التي كانت تعاني من التهميش لعقود وأعادها إلى واجهة الاهتمام الإقليمي والدولي في إطار إعادة تشكيل المشهد اليمني بما يتجاوز ثنائية الشرعية والحوثيين.. 

على المستوى السياسي دعمت الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي منذ تأسيسه عام 2017 ووفرت له غطاءً سياسياً ولوجستياً جعله فاعلاً أساسياً في ترتيبات ما بعد الحرب..  

وأسهم هذا الدعم في تعزيز موقع المجلس ضمن اتفاق الرياض ومفاوضات تشكيل الحكومة وهو ما عزز من شرعية مطالب الجنوبيين بالتمثيل السياسي المستقل.. 

 كما سعت الإمارات إلى إحداث توازن جديد داخل الجنوب من خلال دعم قيادات محلية وتمكينها من إدارة الشأن العام ما أدى إلى إعادة توزيع النفوذ السياسي والأمني على نحو يخدم مصالح الجنوبيين ويؤسس لمرحلة من الحكم المحلي شبه المستقل.. 

في المجال العسكري كان للدعم الإماراتي أثر بالغ من خلال تأسيس وتمويل وتدريب قوات محلية جنوبية مثل الحزام الأمني والنخبة الشبوانية والنخبة الحضرمية وقد أدت هذه التشكيلات أدواراً محورية في تأمين المدن الجنوبية ومحاربة الجماعات المتطرفة.. 

 وعلى التوازي وسّعت الإمارات حضورها في الساحل الغربي عبر دعم قوات المقاومة الوطنية بقيادة العميد طارق محمد عبد الله صالح وأقامت قاعدة لوجستية في المخا ومولت تشكيل قوات حراس الجمهورية..  

وبهذا استطاعت الإمارات أن تخلق قوى عسكرية فاعلة لا تتبع الحكومة اليمنية مباشرة وإنما ترتبط بأجندة إقليمية تراعي مصالحها في البحر الأحمر وخليج عدن.. 

اقتصادياً وتنموياً نفذت الإمارات سلسلة من المشاريع في مناطق الجنوب شملت إعادة تأهيل البنية التحتية ودعم قطاعات التعليم والصحة والكهرباء والمياه وتركزت هذه الجهود في عدن والمكلا وسقطرى وبعض مناطق شبوة ولحج وقدمت مساعدات إنسانية مباشرة للمتضررين من الحرب.. 

 كما ساهمت في إعادة تشغيل مرافق حيوية مثل مطار عدن وميناء المكلا وذلك ضمن استراتيجية لتحويل الجنوب إلى نقطة ارتكاز لوجستية وتجارية على مستوى الإقليم وهذه التحركات تعكس فهماً إماراتياً بأن الاستقرار السياسي والأمني لا يمكن أن يتحقق دون قاعدة اقتصادية واجتماعية داعمة.. 

ورغم كل ذلك واجه الدور الإماراتي صعوبات وانتقادات  وتحديات عسكرية من جانب جماعة الاخوان المسلمين المعارض للإمارات ودورها في الجنوب..  

في المقابل يتبنى الجنوبيون رؤية استراتيجية تقوم على التعاطي الواقعي مع مشاكل الشمال دون الاندماج الكلي فيها إذ يعتبرون أن استمرار فشل النخب الشمالية في إدارة الدولة منذ ما قبل 2011 أدى إلى تهميش الجنوب وسقوطه في أزمات متكررة..  

لذلك فإن القوى الجنوبية وعلى رأسها المجلس الانتقالي تسعى اليوم إلى صياغة مشروع سياسي مستقل يقوم على التفاوض من موقع الندية وليس التبعية..  

وترى أن مشاركتها في أي تسوية وطنية يجب أن تتم وفق ضمانات إقليمية ودولية تعترف بخصوصية الجنوب وتفتح المجال أمام تقرير مصيره في إطار استفتاء حر وشفاف.. 

 وفي الوقت ذاته لا ينكر كثير من الجنوبيين أن استقرار الشمال يظل عاملاً ضرورياً لإنجاح أي مشروع جنوبي مستقبلي ولذلك لا ترفض عدن التنسيق الأمني والسياسي مع صنعاء إذا ما توفرت ضمانات جادة تحترم تطلعات كل طرف.. 

* سفير بوزارة الخارجية