محمد المياحي.. حين يُدان الشرف وتُكافأ القذارة
في زمن الانقلابات، تصبح الحقيقة تهمة، ويُصبح الدفاع عن الحرية جريمة.
وفي مشهد سريالي مخز أصدر قضاة الحوثي في صنعاء حكما بالسجن ضد الصحفي النبيل محمد دبوان المياحي، إبن العدين الحر...لمجرد أنه كتب، وقال، وفكر بصوت مرتفع.
محمد، الذي لم يحمل بندقية، ولم يشعل نارا ولم يسفك دما، وُوجه بتهمة "التواصل مع قنوات يمنية" كأنها جريمة، وكأن الكلمة أخطر من القذائف، وكأن "بلقيس" و"يمن شباب" تنظيمات إرهابية، بينما الحقيقة أن الإرهاب هو من يصدر مثل هذه الأحكام.
والحق يقال إن ما اقترفه محمد هو كتابةٌ تُوقظ، ونقدٌ يعري، وضميرٌ يرفض أن يصمت.
وهذا ما لا تحتمله سلطة غبية، مهووسة بتكميم الأفواه، وحشر الحقيقة في سراديب الخوف.
فالحكم عليه بالسجن لعام ونصف، رغم أنه معتقل منذ تاريخ ٢٦ سبتمبر ٢٠٢٤ مع ضمانة مالية كبيرة، لا يُدين محمد، بل يُدين هذه السلطة المهترئة، ويكشف خواءها وذعرها من مجرد مقال أو منشور فيسبوكي.
طبعا هكذا يفعل الطغاة دائما، يملكون العصي ولا يملكون الحجة، يملكون المحاكم ولا يعرفون العدالة.
القاضي الذي قرأ الحكم من هاتفه، لم يكن سوى موظف رخيص لدى سلطة لا تحترم لا قانونا ولا دستورا ولا ضميراً.
أما المرافعة التي قدّمها المحامي الشجاع عمار الأهدل، فكانت درساً في القانون والدستور وحقوق الإنسان، لكنها وُوجهت بالازدراء والصمم المتعمد.
على إن ما يحدث لمحمد ليس قضية شخصية، بل هو قضية كل يمني حر.
هو امتداد لسلسلة طويلة من القمع تبدأ منذ المتوكلية الإمامية اليمنية التي ضننا أنها انتهت بعد الثورة الجمهورية في سبتمبر عام ١٩٦٢ ولا تنتهي عند ولاية الحوثي.
فالصحافة، التي كانت دائما مرآة الناس وصوتهم، أصبحت هدفا لسلطة تحكم باسم السماء وتذل الناس في الأرض.
والحق يقال إن المليشيا الحوثية ليست مجرد انقلاب سياسي، بل هي انقلاب على القيم، على العقل، على الكرامة.
وهي تعلم تماما أن الكلمة أخطر عليها من الرصاص، لذلك تلاحق الصحفيين، وتختطفهم، وتصدر ضدهم الأحكام الكيدية.
لكنهم يجهلون أن هؤلاء هم الذين يكتبون التاريخ الحقيقي، وأنهم هم الباقون في الذاكرة، لا القتلة ولا عبيد العمائم.
ولكن
صدقوني إن محمد المياحي لم يهزم، بل انتصر.
انتصر لأنه هز عرش الكهنوتي عبد الملك الحوثي بكلمة.
انتصر لأنه أدان الطغيان دون أن يرتكب غير فعل الكتابة. انتصر لأنه أرعبهم بشرفه وأوجعهم بصدقه.
وهو اليوم يدفع ثمننا جميعا، نيابة عن شعب يُراد له أن يصمت إلى الأبد.
على أننا نقولها بصوت عال: تبا لعبد الملك الحوثي وكل زبانيته.
تبا لكل من يرى في الحرية خطرا
وفي الكلمة عدوا
وتحية من القلب لمحمد، الصديق، الرفيق، والصوت الذي لا ينكسر.
أنت لست وحدك، وكل يمني حر يرى فيك مرآته ويضع صورتك في صدر قلبه.
وصدقوني
قسماً، إنهم زائلون، وإنه خالد في ضمير هذه البلاد، التي وإن طال ليلها، فإن صبحها آتٍ.!