الفاسد في اليمن: بطل شعبي بامتياز!
لا تُقاس السلطة بمدى إخلاصك للشعب، في اليمن ، ولا بحجم خدمتك للوطن، بل بعدد "المدافعين" الذين يصفقون لك وأنت تبيع البلاد بالمزاد العلني، كأنك تعرض خروفا في سوق الثلاثاء.
بمعنى أدق فإن الفاسد لا يعيش في الظل هنا، بل يتربع على الكراسي الوثيرة، يرتدي البدل الإيطالية، ويُلقي الخطب الوطنية عن "الأمانة" و"محاربة الفساد" بوجه لا يهتز ولا يخجل.
نعم، لدى الفاسدين مدافعون.
بل أكثر من ذلك، لديهم جيوش إلكترونية، وشخصيات قبلية، وشعراء يتغنون بعبقريتهم في سرقة المال العام.
بل بعضهم يسرق ببراعة تجعل روبن هود يشعر بالخجل من نفسه.
لكن الفرق أن روبن هود كان يسرق الأغنياء ليعطي الفقراء، أما هؤلاء، فيسرقون الفقراء ليمنحوا أنفسهم ألقاب "المناضلين" و"الركائز الوطنية".
على إن المعضلة الحقيقية ليست في فسادهم فقط، بل في إجماع الطيف السياسي اليمني – من اليمين إلى اليسار – على أن الفساد ليس خطيئة، بل مهارة سياسية.
بل يتوحدون حين يتعلق الأمر بالمصلحة، ويفترقون فقط عند اقتسام الغنائم.و عندما يجلسون على طاولة الحوار، لا يتجادلون حول مستقبل اليمن، بل حول من سيأخذ وزارة النفط، ومن سيحتكر الإعمار، ومن سينهب باسم الدين، ومن باسم الثورة.
ولكن أين الشعب؟ الشعب مشغول بمحاولة النجاة، يبحث عن دبة غاز، أو حبة دواء، أو بارقة كهرباء.
وفي الوقت الذي يتقاتل فيه المسؤولون على الكراسي، يتقاتل المواطن مع الحياة، ويفوز الفقر دائما بالجولة.
بمعنى آخر فإن المقدسات في هذا البلد أصبحت تُداس كل يوم، لا من الغرباء، بل من أبناء الوطن الذين حولوا الشعارات إلى عباءة تُغطي القبح، والدين إلى وسيلة للتمكين، والثورة إلى شركة مساهمة. أما من يعترض؟ فمصيره النفي، أو التهديد، أو وصفه بـ"العميل"، أو في أحسن الأحوال، تجاهله كما يُتجاهل ضمير في خطاب أحدهم.
والشاهد أن السلطة الأعلى في اليمن؟ إنها سلطة اللاعقل، اللاخجل، واللامسؤولية. سلطة لا تخضع للرقابة، بل تخلق رقابتها الخاصة، وتحاكم خصومها بقوانين تفصّلها على مقاس نزواتها.
لكن لا بأس... فالتاريخ لا يُمحى، وذاكرة الشعوب لا تُخدع إلى الأبد. قد يربح الفاسد جولات كثيرة، لكن الحقيقة تربح في النهاية، ولو جاءت متأخرة كموظف حكومي في عصر ما بعد الفساد.