العيد في اليمن: فرحة مشروطة ومأساة مؤجلة
طبعا كان العيد، في ما مضى، مناسبة للبهجة الفطرية، لتصطف فيها ضحكات الأطفال على موائد الحلوى، وتتهادى القلوب نحو بعضها بالود والملابس الجديدة.
لكنه في اليمن المعاصر، بات أقرب إلى ذكرى قديمة تُستحضر عبر الصور والحنين، بينما الواقع يحتفل بالفقر والجوع والرصاص.
نعم..كيف يحتفل اليمني بالعيد؟
بالسؤال أولا عن مكان أقرب سوق سوداء للغاز؟
أم بعد عدد من قضوا في الليلة السابقة جراء قصف هنا أو مجاعة هناك.
بالتأكيد العيد هناك ليس يوما، بل اختبار بقاء.
على إن استدعاء مظاهر العيد في بلد مدجن بالخراب أشبه بعرض كوميدي أسود، لا يضحك بل يثقل الصدر.
الأطفال يركضون، نعم..
لكن لا خلف الألعاب بل خلف وايتات المياه. التكبيرات تُسمع، لكن تلتبس بين صوت المؤذن وزخات الرصاص. والملابس الجديدة؟
غالبا ما تُخاط من ملابس قديمة أُعيد تدويرها بذكاء لا تملكه حكومات اليمن المتعاقبة.
ولكم هو ساخرٌ أن تأتي مناسبة العيد، لتذكر الناس بما لا يملكون: الأمن، الرغيف، الهدوء، وحتى النوم.
بل يصبح العيد في اليمن ليس مناسبة دينية قدر ما يتحول الى طقس سياسي، موسما لمتاجرة الصور التي تُظهر القادة يوزعون "فتات الرحمة"، في حين يلتهم الفساد موازنة الدولة.
وأما النقد هنا لا يوجه لمفهوم العيد نفسه، بل لواقع يُمعن في امتهانه.
واذا؟!
لمن نُهدي تكبيرات العيد؟
لأمراء الحرب؟
أم للتجار الذين رفعوا سعر "الزبادي" كأنهم يبيعون ذهبا؟
أم للمنظمات الإنسانية التي تمطر القرى بالفاصوليا المنتهية بدلا من حلول دائمة للجوع؟
نعم، اليمني سيحتفل.
لكنه سيحتفل بنجاته من المجاعة، من القنص، من القصف، ومن الخيبة المتكررة. وتلك، بالمناسبة، ليست اعيادا بل "وقفات عزاء وطنية" مُتكررة كل عام، تتنكر في هيئة فرحة موسمية.
ألا ليت العيد يأتي بلا تهنئة، بلا خطب، بلا وعود. بل يكفينا أن يمر مرور الكرام، كضيف خجول لا يوقظ الذاكرة.
وأتذكر بيت المتنبي الآن :
عيدٌ بأية حال عدت يا عيدُ؟
وأقول أن العيد في اليمن التعيس، ليس موعدا للفرح، بل اختبارا لصبر الجائعين، وذاكرة للثكالى، ومناسبة لتوزيع الوعود الكاذبة.
ذلك أن العيد اليمني أصبح طقسا للتذكير بالفقد، وتكرارا للوعود التي لا تُنفذ، ومناسبة لتوزيع الفقر بدلا من البركة والسعادة.
وفي الأخير، العيد في اليمن لا يُحتفل به، لأنه لا يمكن أن يُحتمل أساسا.
ثم ماذا يعني "أن يأتي العيد ومعظم المواطنين في حالة إفلاس"!؟