هؤلاء لا يخذلون اليمن إنهم يبحثون عن سلامه
في خضم الصراع اليمني الذي طال أمده وتعددت جبهاته يبرز عدد من القيادات الوطنية والمجتمعية والسياسية التي اختارت أن تنأى بنفسها عن الاصطفاف الحاد لا انحيازًا للرمادية كما يدعي البعض بل انطلاقًا من إيمان عميق بأن لا حل مستدامًا يمكن فرضه من خندق واحد وأن السلام يحتاج إلى مساحات مشتركة لا شعارات متقابلة ..
الهجوم المتواصل الذي يتعرض له هذا التيار الوطني من بعض الأصوات المتشددة لا يعكس سوى عجز عن فهم تعقيدات المشهد اليمني وسعي لاستمرار منطق الحرب باعتباره الخيار الوحيد..
من يهاجمون هذه القيادات الوطنية يتناسون أن من حق أي مواطن يمني وأي قيادة وطنية أن تبحث عن طريق جديد ينقذ البلاد من هاوية الانهيار التعدد في الرؤى والمبادرات لا يعني التآمر ..
كما أن السعي للحوار ليس مرادفًا للخضوع بل على العكس فإن كثيرًا من الأصوات التي توصف بالطرف الثالث كانت ولا تزال أكثر حرصًا على وحدة الدولة واستقلال قرارها وكرامة مواطنيها من بعض الذين يرفعون شعارات كاذبة في العلن بينما يتصارعون على النفوذ في الخفاء..
القيادات الوطنية التي تتصدر هذا المسار كالرئيس الأسبق علي ناصر محمد والدكتور أبو بكر القربي والشيخ محمد أبو لحوم لا تنطلق من مصالح شخصية أو حسابات ضيقة بل من وعي عميق بخطورة استمرار الانقسام وخسائر الحرب..
هؤلاء ليسوا طارئين على الحياة السياسية ولا متسللين من الخلف بل شخصيات معروفة بتاريخها وتجربتها ووطنيتها وقد اختارت أن تسلك الطريق الأصعب طريق ترميم الثقة وصياغة الحلول لا طريق الشحن والتخوين..
كما أن المبادرات التي تُطرح من هذا التيار لا تتناقض مع الشرعية بل تسعى لتقويتها وتوسيع قاعدتها عبر بناء توافق وطني شامل يضع حداً للحرب ويعيد الاعتبار لمؤسسات الدولة ويهيئ الأرضية لمصالحة حقيقية السلام ليس تهديداً للشرعية بل أحد مبررات وجودها ولا يمكن أن تكون الدعوة للحوار والمشاركة خيانة بل هي الطريق نحو تثبيت الدولة واستعادة دورها في حياة الناس..
ما تحتاجه اليمن اليوم هو أصوات عاقلة تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار وتكف عن استعداء كل مبادرة لا تصدر من داخل مربع الصراع إن لغة التخوين واحتكار الوطنية لم تعد تقنع أحداً ولم تعد مجدية في إقناع الداخل أو الخارج..
لقد أثبتت التجربة أن الحلول التي تُفرض من طرف واحد غالباً ما تؤدي إلى مزيد من التفتت بينما التفاهمات الوطنية العريضة وحدها القادرة على بناء دولة تستوعب الجميع وتحترم الجميع ..
إن الواجب اليوم أن نحمي المساحات التي تصنع السلام لا أن نُحاصرها بالتشكيك والتجريح الطرف الثالث ليس خصماً لأحد بل فرصة للجميع وهو لا يسعى لإزاحة أحد بل لإخراج اليمن من مسار الاستنزاف إلى أفق الاستقرار ففي زمن الانهيارات تبقى المبادرة والمسؤولية والشجاعة الأخلاقية هي أعظم ما يمكن أن يقدمه القادة الحقيقيون لشعوبهم..
* سفير بوزارة الخارجية