اليمن.. من "السين" إلى "الشين": كابوس الطبقية في بدلة وطن
قالها ذات "مقيل" الرئيس الأسبق العظيم إبراهيم الحمدي: "مشكلة اليمن السين والشين". لم يكن يحاضر في علم الحروف، بل كان يختصر مأساة وطن بـ"السيد" و"الشيخ".
رجل فهم باكرا أن اليمن لا يعاني من الجغرافيا، ولا من الجوع، بل من فئة تلبس الوجاهة قناعا، وتستثمر في التخلف صنعة.
السين والشين، أو كما يحب أن يسميهم الإعلام المزركش بـ"القيادات المجتمعية"، و " كبار القوم" هم أنفسهم من حولوا هذا الشعب من شعب عظيم إلى قطيع موزع بين بركة سلالة وعرش قبيلة.
ومن المهد إلى اللحد، والمواطن اليمني يعيش في ظل فزاعتين: فزاعة النسب، وفزاعة العصبة.
فإن لم تكن "سيدا"، فلتكن "شيخا"، وإلا فمكانك الطبيعي في الصف الخلفي، إذ تُمنح "بركات الصمت" لا حقوق المواطن.
على إن الطبقية في اليمن ليست مجرد تراكم اجتماعي، بل مشروع سياسي مكتمل. فيها يتزوج الدم من السلاح، وينجب لنا جيلا جديدا من اللوردات المحليين، الذين يعيشون على جثث الطموح الوطني.
..."السيد" يُفتي، و"الشيخ" يُهندس، والدولة -تلك المسكينة -بينهما تُسحل كل صباح في ورقة "قات" ممزقة.
والحق يقال لم تُصب اليمن بلعنة الجغرافيا ولا النفط، بل بلعنة أنصاف الآلهة الذين يعتبرون أن صعود المواطن هو سقوط لعرشهم، وأن أي محاولة للعدالة الاجتماعية هي خيانة "للأعراف"، تلك التي كتبها المنتصرون لا المجتمع.
ثم إن مأساة اليمن أن أبناءه لم يُمنحوا الفرصة ليكونوا "مواطنين"؛ بل دُفعوا لأن يختاروا بين أن يكونوا أتباعا أو خارجين عن "الطاعة". والويل كل الويل لمن نطق بلسان الحمدي في زمن الصمت، أو حلم بدولة يحكمها القانون لا العمامة والخنجر.
لذلك آن لليمن أن يخرج من مدرسة السين والشين، تلك التي درستنا أن السيادة نسب، وأن الزعامة تُورث كما تُورث الأرض.
آن له أن يعود لمقولة الحمدي لا كذكرى، بل كمشروع وطني لم يكتمل، اغتيل مبكرا، تماما كما تُغتال أحلام التغيير في كل منعطف.