السعودية وتوازنات الحل السياسي في اليمن
رغم التحول اللافت في موقف المملكة العربية السعودية من الحرب في اليمن واتجاهها نحو تغليب الحلول السياسية لا تزال الرياض تضع خطوطا حمراء واضحة أمام أي تسوية تنتهي إلى هيمنة الحوثيين الكاملة على الدولة اليمنية
فبعد أكثر من عشر سنوات من التدخل العسكري باتت الرياض أكثر ميلا لإغلاق هذا الملف المكلف لكنها في الوقت ذاته تدرك أن أي انسحاب غير مدروس أو تسوية غير متوازنة ستفتح أبوابا جديدة للفوضى وتهدد أمنها القومي بشكل مباشر
لقد تعاملت السعودية في الأشهر الأخيرة مع الوسطاء الدوليين والإقليميين بمرونة ملحوظة وفتحت قنوات خاصة مع جماعة أنصار الله عبر الوساطة العمانية .. ..
إلا أن هذه الانفتاحات لم تصل إلى تفاهمات نهائية بسبب تعقيدات المشهد اليمني والمطالب المتباينة بين الأطراف وهنا برزت أدوار أوروبية نشطة لاسيما من جانب ألمانيا وفرنسا والنرويج وهولندا والاتحاد الأوروبي الذين كثفوا من تواصلهم مع الحوثيين والأطراف اليمنية المختلفة ومع السعودية على حد سواء .. ..
بهدف كسر الجمود وخلق بيئة تفاوضية أكثر انفتاحا تسهم في بناء الثقة بين الخصوم ..
وفي الوقت ذاته تحركت شخصيات يمنية وازنة وذات قبول لدى مختلف الأطراف من بينها قيادات قبلية وسياسية سابقة وشخصيات مستقلة تحظى باحترام وطني ودولي ..
حيث بادرت هذه الشخصيات إلى لعب دور وساطة غير رسمية وتقديم مبادرات مقبولة تركز على الحلول التوافقية التي تراعي الهواجس الأمنية السعودية وتضمن مشاركة الحوثيين في السلطة إلى جانب الأطراف اليمنية في كيان الدولة اليمنية ..
وقد لاقت هذه الجهود اهتماما حذرًا من الرياض وترحيبا مبدئيا من جماعة أنصار الله ما يعكس احتمالية تطور هذا المسار في حال توفرت الضمانات الكافية ..
رغم دخول جماعة أنصار الله الحوثيين في مسارات متعددة من التفاوض غير المباشر مع المملكة العربية السعودية وظهور مؤشرات شكلية على بعض التنازلات ..
إلا أن جماعة الحوثي ظلت أكثر تصلبا في المواقف الجوهرية ولم تقدّم تنازلات استراتيجية تتعلق بمسائل خلافية جوهرية ..
حيث تصر على التعامل مع السعودية كطرف في الحرب لا كوسيط وتتمسك بشروط سياسية وأمنية تُكرّس وضعها كسلطة قائمة دون الاعتراف بشرعية الشراكة أو توازن المصالح وهو ما جعل المفاوضات تراوح مكانها ..
رغم الوساطات الإقليمية والدولية ومحاولات التوفيق من بعض الأطراف اليمنية والأوروبية ..
إضافة إلى ذلك فإن السعودية تدرك أن المكونات اليمنية المتحالفة معها لن تقبل بتسوية تستثنيها أو تضعف مكانتها في المستقبل السياسي لليمن ..
فالمجلس الرئاسي والقوى الجنوبية وحزب الإصلاح وقوى قبلية ومجتمعية واسعة ترى أن أي تسوية لا تضمن شراكة حقيقية ومتوازنة ستعيد إنتاج الأزمة بصيغة أكثر تعقيدا وتفتح الباب أمام موجة صراعات جديدة قد تكون أكثر عنفا وتفككا من المرحلة الحالية ..
مما يعني أن تحقيق سلام دائم يتطلب معادلة تحفظ توازنات الداخل وتمنع عودة الاحتكار السياسي ..
وفي ضوء ذلك تستمر الجهود السعودية على مسارين متوازيين الأول تعزيز مسار التفاوض مع الحوثيين عبر الوساطات الإقليمية والدولية وتحت أنظار القوى الكبرى ..
والثاني إعادة هيكلة الحلفاء اليمنيين وترميم الشرعية بما يسمح بوجود شريك تفاوضي قوي وفاعل في مواجهة الحوثيين دون تفريط في المصالح السعودية أو ترك فراغ تستفيد منه أطراف أخرى ..
وهكذا يبدو أن مساعي السلام في اليمن لن تكتمل دون توازن دقيق بين الواقعية السياسية ومتطلبات الأمن الإقليمي ودون إشراك القوى الوطنية الفاعلة وضمان أن لا تتحول الدولة اليمنية إلى ساحة نفوذ منفردة لأي طرف ..
* سفير بوزارة الخارجية