الرئيس الراحل علي عبدالله صالح يشبهنا
الرئيس الراحل علي عبدالله صالح يشبهنا، في قبْيَلته، في موغادته، في كرمه، في حذقه، في وفائه، لكنه كان أشجعنا في مواجهة من أسقطوا الدولة والجمهورية| ولو تملك أحدنا السلطة التي تملكها لظهرت نوازعه الحقيقية وكل أشراره، ولظهر صالح ملاكًا أمامه.
لا تحاكم رئيس دولة إلى ذاتك العاجزة وأنت لا تملك قرارًا حتى على نفسك، ومدير ادارتك يهينك صباح مساء، وصاحب البقالة يطالبك بالدين، وصاحب البيت ينتظر منك الايجار آخر الشهر، ومن يمولك في إستنبول أو القاهرة أو غيرها من أماكن الشتات يمكن إن يقطع عنك الدعم، أو يقطع مخصصاتك التي يرسلها لك إلى مأرب أو تعز إذا توقفت عن الإساءة لصالح وأقاربه وامتداح "شباب الثورة"،
حتى وأنت متوسط الحال أو تاجر تخاف على تجارتك من تسلط مسؤول في مصلحة الضرائب أو جهة نافذة أخرى، لا تحاكمه إلى قيمك التي تتمثلها لأنك ضعيف وعاجز لا لأنك تؤمن بها حقيقة.
الاختبار الحقيقي هو عندما تمتلك السلطة المطلقة، هنا تظهر حقيقة الإنسان ودواخله، وصالح في هذا الاختبار كان ناجحًا بتقدير 70% من وجهة نظري، كان مرنًا في التعامل مع خصومه، كان كريمًا معهم بعد هزيمتهم، كان يفاوض حتى النهاية ولا يلجأ للسجن والعنف إلا متى ما اضطر أو صور له محيطوه ذلك.
اليمن الدولة الوحيدة في العالم العربي التي كان فيها تعددية سياسية لحد ما وحرية ولو محدودة مقارنة بباقي الدول العربية، عدى لبنان، بحكم تركيبته الطائفية التي منعت وصول دكتاتور للسلطة.
أخبرني ذات مرة الاستاذ علي الصراري -عضو المكتب السياسي للحزب الإشتراكي اليمني- أنه عندما كان معتقلًا في الأمن السياسي بعد حرب 1994 كان صالح يستدعيه من معتقله ويحاول استمالته وإغراءه بالمناصب والمال، وعندما يفشل يعيده للسجن.
تخيلوا كم السلطة الهائلة التي كانت بيد صالح بعد حرب 1994 وكم الضعف الذي كان عليه علي الصراري الكاتب والمفكر، ومع ذلك كان يفاوضه شخصيًا، مع أن بامكانه وبإشارة منه أن يمسحه من على وجه الأرض.
ينسى اليساريون مثلًا كيف فعلوا ببعضهم البعض في اليمن الديمقراطي عندما اختلفوا، وكم الاعد..امات والإخفاءات التي فعلوها ببعضهم وبعشرات الآلاف من شعبهم، لكنهم يحاكمون صالح لمُثل عليا -
اعتنقوها بعد هزيمتهم- ولا وجود لها في واقعنا العربي كله حتى اللحظة، وهم سحقوها بأقدامهم عندما كان لهم سلطة وموارد محدودة مقارنة بما تملكه صالح.
ينسى الإخوان المسلمين كيف فعلوا بخصومهم عندما كانت تتوفر لهم بعضًا من قوة فقط كان يمنحها صالح لهم،
وكان هو من يفرملهم، ولا احتاج لتذكريهم أن أبشع عمليات التعذيب التي ارتكبت في الأمن السياسي كانت تتم على يد وبإشراف محمد اليدومي شخصيًا "الذي يلبس اليوم ثوب الورع والتقوى في إستنبول"،
وذلك ما تحدث عنه المعتقلون أنفسهم بعد خرجوهم، ويمكنكم سؤال الكاتب الساخر عبدالكريم الرازحي وآخرين.
صحيح أن صالح كان رئيس الدولة، لكن منهجه كان مختلف عنهم، ليس لديه مشكلة أيدلوجية مع أحد، ولذلك كان يسعى لمراضاة خصومه بما يفهمه، المال والسلطة، فيما الإخوان كانوا هم الذراع التي تبطش وتغتال،
ويقولون له لا فائدة من مصالحة ومراضاة هؤلاء، إن لم تسحقهم سيسحقونك، كانوا شيطانه الذي يوسوس له على أشر الخيارات.
وهكذا في صعدة، خاضوا معاركهم الطائفية الخاصة بقوة ولسان وسلطة صالح، وأنتجوا لنا حركة الحو..ثيين، التي في النهاية اسقطت الدولة والجمهورية.
هذا ليس رأي، بل معلومات، بعضها قالها الدكتور عبدالكريم الإرياني رحمة الله عليه،
أنه كلما اقتنع صالح بحلول سلمية لقضية صعدة، تفضي لمصالحة معهم واحترام خصوصية المنطقة مذهبيًا وتخفيف تسلط الإخوان والسلفيين فيها،
ذهب له محمد اليدومي وعبدالوهاب الآنسي وعلي محسن ليؤلبوه على تفجيرها من جديد، ولم يرتاحوا إلا عندما وصلت مشكلة صعدة إلى صنعاء، والتهمتها، وعندها كانوا أول الفارين.
وهكذا في أغلب أزمات البلد في عهده، كان يميل للحلول والسياسة وكان الإخوان وعلي محسن يدفعوه للخيارات العدمية "يا احنا يا هم"، ولأنه مكنهم من مفاصل كثيرة، مثل المعاهد العلمية الدينية، والتربية والتعليم والجامعات، والإعلام،
ومفاصل أمنية خطيرة، كان تأثيرهم عليه قويًا، فقد كانوا عينه التي يرى بها، وبالتالي وكنتيجة لذلك يده التي يبطشون بها.
لو وجد صالح رفاق وحلفاء غير الإخوان، لكان وضع اليمن واليمنيين مختلف، وهذا ليس تبرئة له من المسؤولية بل قراءة للواقع الذي وجد صالح نفسه فيه وسايره، وفي أغلب تلك المراحل هو من كان يوقف العنف الذي يمارسه الإخوان باسم النظام ويطلق فرصة للمصالحات.
وفيما يتعلق بالحو..ثيين فقد كان كريمًا مع أسرة حسين الحو..ثي بعد مقتله، ومنحهم الكثير، وحفظ كرامتهم وممتلكاتهم، على عكس ما فعلوه هم به وبأفراد أسرته بعد تمكنهم.
إذا ما قارنا بين صالح وبين تلك التيارات الأيدلوجية الرئيسية في البلد، الإخوان واليساريين والحوثيين نجد أن صالح أقلهم عنف ودموية، كانت قبْيَلته تنتصر على أيدلوجيتهم، يمنيته تنتصر على أمميتهم،
والاستثناء الوحيد الذي انتصر على صالح وكان له تيارًا يناصره "الناصريين" هو الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي، ورؤساء آخرين لم يكن لهم تيار ولا حزب عابر للحدود،
كانوا يمنيين تمامًا، ولم يستشيروا الإخوان، مثل الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني والرئيس الراحل عبدالله السلال.
#المعركة_الأخيرة