اختبار جديد لطموحات المجلس الانتقالي الجنوبي
تبدو طموحات المجلس الانتقالي الجنوبي اليوم محكومة بجملة من التعقيدات التي تجعل موقعه في المشهد السياسي اليمني عرضة لتقلبات التحالفات الإقليمية والدولية ..
ففي الوقت الذي يسعى فيه المجلس لترسيخ حضوره كقوة أمر واقع في الجنوب يفرض نفسه على أي ترتيبات سياسية مقبلة تأتي التحركات السعودية الأخيرة في إطار الدفع بخارطة سلام شاملة لتضع المجلس أمام اختبار حقيقي بين التمسك بخيار إعلان دولة الجنوب أو الانخراط في صيغة توافقية أوسع تلبي الحد الأدنى من مصالحه دون أن تمنحه الاستقلال الكامل الذي ينشده منذ تأسيسه عام 2017 ..
هذه المعضلة تتفاقم في ظل التباينات داخل البيت الجنوبي نفسه وضعف الإجماع على أجندة المجلس فضلا عن التحديات الميدانية المتمثلة في وجود تشكيلات عسكرية منافسة ممولة خارجيا وتحركات خصومه التقليديين وفي مقدمتهم حزب الإصلاح الإخواني تحت غطاء الشرعية..
لقد مثلت لحظة ظهور رئيس المجلس الانتقالي نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي في لقاء رسمي مع وفد سعودي عسكري بحضور علم غير علم الجمهورية اليمنية رسالة سياسية عميقة الدلالة بالنسبة للمجلس الانتقالي..
فهي من جهة اعتراف ضمني بوجود كيان سياسي جنوبي على الطاولة ..
ومن جهة أخرى اختبار لردود الفعل المحلية والإقليمية تمهيدا لإعادة تعريف الأطراف في المعادلة اليمنية..
هذه الإشارة الرمزية التي قد يراها المجلس مكسبا معنويا تصطدم في المقابل بحساسية المرحلة التي تحاول فيها السعودية إعادة صياغة مسار التفاوض بما يضمن إغلاق ملف الحرب وفق خارطة طريق قد لا تتطابق مع الطموح الجنوبي بإعلان دولة الجنوب بشكل كامل..
المجلس الانتقالي الذي يرى نفسه الممثل الأبرز للقضية الجنوبية يواجه معضلة الموازنة بين الاستفادة من الدعم السياسي والعسكري الذي يحظى به وبين الحفاظ على استقلالية قراره خاصة في ظل التنافس بين الرياض وأبوظبي على صياغة النفوذ في الجنوب..
فالإمارات التي رعته منذ نشأته تعتبر الجنوب جزءا من استراتيجيتها في باب المندب وخليج عدن بينما تنظر السعودية إلى الجنوب كعنصر أساسي في أي تسوية تحفظ وحدة اليمن ولو بصيغة جديدة ..
هذا التباين في الرؤى يجعل المجلس حذرا في التعاطي مع أي مبادرة سعودية خشية أن تتحول إلى قيد على طموحاته الاستقلالية..
في المقابل يدرك المجلس أن انخراطه في خارطة السلام السعودية قد يتيح له مكاسب على المدى القصير تتمثل في الاعتراف الدولي بدوره وشرعنة وجوده العسكري والسياسي في مناطق سيطرته..
لكن هذه المشاركة قد تضعف أوراقه التفاوضية مستقبلا إذا ما فُرضت عليه ترتيبات تحد من سلطته أو تفرض تقاسما للنفوذ مع خصومه داخل الشرعية خصوصا حزب الإصلاح الذي يتهمه المجلس بمحاولة اختراق الجنوب عبر المؤسسات الرسمية وتعيين موالين له في المناصب السياسية والدبلوماسية..
التحركات السعودية في هذا التوقيت تتزامن مع تحسن نسبي في الأوضاع الاقتصادية وتراجع حدة بعض الجبهات وهو ما قد يشجع الشارع الجنوبي على قبول أي تسوية توفر الاستقرار والخدمات حتى وإن لم تحقق طموحات الجنوبيين المنشوده ..
غير أن المجلس الانتقالي يراهن على أن التمسك بورقة القضية الجنوبية يمنحه قدرة أكبر على فرض شروطه خصوصا إذا استطاع الحفاظ على تماسك جبهته الداخلية وتقليص نفوذ القوى المنافسة في محافظات مثل شبوة وحضرموت والمهرة..
في النهاية يقف المجلس الانتقالي الجنوبي أمام مفترق طرق حاسم بين أن يكون جزءا من تسوية سياسية شاملة ترعاها السعودية قد تعيد صياغة الخريطة اليمنية بطريقة لا تلبي كامل طموحاته أو أن يواصل مسار التصعيد سعيا لأعلان دولة الجنوب مع ما يحمله ذلك من مخاطر الصدام مع الحلفاء الإقليميين وفقدان المكاسب التي حققها منذ 2017
إن خيارات المجلس ستعتمد في المقام الأول على قدرته على قراءة موازين القوى الإقليمية بدقة وعلى استعداده للمساومة أو الصدام في لحظة إعادة رسم مستقبل اليمن السياسي ..
* سفير بوزارة الخارجية