النخب السياسية اليمنية: أعراس في المهجر… وإفلاس في الوطنية
من الرياض إلى القاهرة إلى إسطنبول، لا تكاد تمر بضعة أشهر دون أن يتناقل اليمنيون صورًا ومقاطع فيديو لحفلات زفاف أسطورية، يقيمها، قادة وساسة ووجهاء من النخبة اليمنية، قاعات فاخرة، مغنون ومطربون، طاولات تزخر بما لذّ وطاب، هدايا تقدم بالمجوهرات أو الدولار، وضيوف من علية القوم يتبادلون النخب على أشلاء وطن تمزقه الحرب والجوع والشتات..
وفي المقابل، حين يُطرح أي مقترح لعقد مؤتمر وطني جامع، أو فعالية سياسية تتناول كارثة اليمنيين، يكون الجواب البائس دائمًا: لا يوجد تمويل..
يا للسخرية، نفس الشخصيات التي تسرف ببذخ فج على أعراسها في عواصم العالم، تتلعثم عند الحديث عن تمويل عمل سياسي أو إعلامي جاد، يُعيد تعريف القضية اليمنية للعالم، أو يصوغ خطابا وطنيا ينقذ ما تبقى من الكرامة الوطنية، هل المسألة حقًا قلة مال؟ أم قلة ضمير؟.
عرس في المهجر بثمن وطن
حفل زفاف واحد مما نشاهده كل شهر على وسائل التواصل، تكلفته تتجاوز في المتوسط 100 ألف دولار وبعضها يصل إلى أضعاف ذلك، هذه المبالغ كافية لعقد مؤتمر وطني منظم، يضم عشرات الشخصيات السياسية والمدنية والأكاديمية، ويخرج بخارطة طريق، أو حتى بصياغة أولية لتيار سياسي يمني مستقل، لكنها لا تنفق إلا على مظاهر الفخامة والاستعراض، ولأجل ماذا؟ لإرضاء الغرور، وإشباع مركب النقص، بينما الوطن يحترق..
نخب فقدت مشروعها… وأخلاقها
الحقيقة أن كثيرًا من النخب السياسية اليمنية لم تعد تؤمن بأي مشروع وطني، ما يجمعها اليوم هو حب الظهور، والسعي خلف الامتيازات، وتكريس نفوذ شخصي لا علاقة له لا بالثورة، ولا بالجمهورية، ولا بأي مبدأ وطني، فكيف نصدق من يبكي على اليمن في خطابه، ثم ينفق ما يكفي لإطعام ألاف الأسر النازحة في ليلة واحدة على ديكور قاعة عرس؟.
إن هذا التناقض ليس مجرد عيب شخصي، بل هو عار سياسي، عار يعكس كيف أصبح بعض من يفترض أنهم قادة مجرد تجار مآسي، يستثمرون في دماء الناس ليظهروا بمظهر الأبطال، ثم يختفون في الزفة..
الصمت لم يعد مقبولاً
على الإعلام الوطني، والنشطاء، والمثقفين، أن يكسروا حاجز المجاملة، لا يمكن الاستمرار في التزام الصمت بينما تبدد ثروات من يفترض أنهم ممثلو الشعب على حفلات ترف، في وقت لا يجد فيه الصحفي أو الناشط أو الجريح أو الأرملة من يدعم صوته أو قضيته..
إذا لم تكن هذه النخب قادرة على تمويل مؤتمر وطني واحد، بينما تنفق الملايين على مناسباتها الشخصية، فعليها أن تصمت للأبد، لا أحد يحتاج خطبهم الزائفة عن معاناة اليمنيين، طالما أن أولوياتهم هي البخور والذهب والكاميرات..
خاتمة: هل آن أوان المحاسبة؟
قد لا تكون لدينا سلطة لمحاكمة هؤلاء، لكن لدينا الكلمة، ولدينا الذاكرة، والتاريخ لا يرحم، فالنخب التي باعت قضيتها من أجل صور عرس، لن تكتب مستقبلًا لأي وطن، بل ستبقى مجرد ذكرى مخزية في سجل الانهيار اليمني..
فلترفع هذه الأعراس كمستند إدانة، لا كمناسبة للفرح..