اليمن: رِثاء الضمير المشتت
يا يمن الأمة، يا مَوْئِل القوة الفائتة، يا قصة المجد الموشوم على وِجْهَان السماوات الساكتة. كانت أرضك سلسبيلًا وضاءً، وكان ترابك مربعًا للعقول، وصرنا نراه مأتمًا وخلاءً.
يا ويح قلبي عليك أيها الوطن المسجور، ويح أحوالك على يَد الإبن الجهول المقهور. لم تهزمك عواصف التاريخ الزمانية، ولكن أسقطتك أيدي الضَّعَائِن اليمنية.
نظرت إليكم أيها الأبناء فرأيت الجهل سيدًا، و التشرذم قائدًا، وكل واحد يرى في أخيه عدوه الأول والمصير. ضاع ميثاق الدم الزكيّ، وغابت روح الاتحاد القويّ. تنازعتم على الفتات الهش والمياه، وأبعدتم عنكم مصادر النور والحياة.
أين العقل الرزين الذي بنى السدود والحقول؟ وأين الضمير النبيل الذي عرف الأصول والفصول؟
لقد أصبحتم كـ الأيتام على مائدة اللئام، تُقادون بخيط من وهم وظلام.
هذه بلادكم تسيل بها الدماء زورًا، وتُمزق تربتها خريطة بورًا. وأنتم في غيكم عاكفون، ولأجندات الغريب منقادون. صرتم وقودًا لنار لستم مشعليها، و صدى خافتًا لأصوات لستم قائليها. بأي عقل سلمتم الراية؟ وبأي إذعان تركتم الحكاية؟
إن المصيبة ليست فيمن سرق الأموال والمتاع، بل فيمن خان العقل وباع الوجدان والاقتناع. كل واحد منكم يتبع هواه المُضِل، ويرفع سيفه في وجه أخيه الأجلّ. بدلًا من أن تنهضوا بمنطق الحكيم الألباب، أصبحتم تسيرون على هدي الأغراض والأحزاب.
آهٍ على شباب يُغمر في المجاهل مكبوتًا، وعلى شيخ يموت مهجورًا ومغلوبًا. من الذي سيوقظ الضمير إذا كان الضمير نائمًا؟ ومن الذي سيرشد الطريق إذا كان اليمني حائمًا؟
أيها اليمني، لن يحررك سوى فكرك الذي قيدته، ولن ينجيك سوى وعيك الذي أهملته. أرضك عطشى لعقل يرويها، وليست جائعة لدم يسقيها.
فهل من صرخة تشق سكون الليالي؟ وهل من عودة تلملم بقايا الرجال؟ أم ستبقى الحكاية رثاءً مرًا لوطن أفنيته أيدي أبنائه، ودفن في جهلهم و انصياعهم و شتاتهم ومآسيهم!