
لا خروقات في جدار الأزمة .. التفاوض لضبط الصراع... لا لإنهائه
انتهت زيارة الوفد العماني لصنعاء بعدما أجرى سلسلة مشاورات مع قيادات حركة الحوثي، من دون تحقيق أيّ اختراق في مسار السلام المتعثّر منذ نحو عام ونصف عام.
وإذ بدا واضحاً اهتمام الوساطة العمانية بالحفاظ على حالة التهدئة، وطلب هامش إضافي لمواصلة الجهود الديبلوماسية، إلّا أن قيادات الحوثي جدّدت تشديدها على ضرورة البدء بتنفيذ الإتفاق المبرم مع السفير السعودي محمد آل جابر أثناء زيارته لصنعاء ولقاءه قيادات الحوثي في شهر رمضان الفائت.
وعلى مرّ ثلاثة أيام، هي مدّة الزيارة الجديدة للوفد العماني إلى العاصمة صنعاء، لم تغادر التعليقات السياسية والإعلامية مربّع عدم التفاؤل، فيما لم يُبشّر أحد بانفراجة ما في ملفّات الحرب، ولم يُنشر حتى الآن أيّ خبر رسمي عن انعقاد لقاء ما بين طرفَي الصراع في إطار جولة تفاوض إضافية متّفق عليها.
في وقت سابق أعلنت الإدارة الأميركية عن زيارة لمبعوثها إلى اليمن، تيم ليندركينغ، إلى منطقة الخليج، من أجل «العمل بشكل وثيق مع السعودية وسلطنة عُمان وشركاء آخرين على طريق إطلاق عملية سلام شاملة في اليمن»،
لكن المؤشّرات لم تقدّم أيّ دليل جدّي على ما سوّق له بيان وزارة الخارجية الأميركية، لا بل إن ليندركينغ لم يلتقِ من يُفترض أن يكون صاحب قرار في دول التحالف، ولم يتجاوز جدول محادثاته حدود المستشارين.
عنى ذلك، بوضوح، أن الوفد العماني وصل أصلاً إلى صنعاء خالي الوفاض، وهو استنتاج يعزّزه قول مصدر مطّلع، إن لقاءات الوفد مع قيادات الحوثيين لم تَغُص في تحديد ملامح ما بعد تلويح الحوثي بإنهاء مرحلة خفض التصعيد، وهو ما ينبئ بأن مسؤولي السلطنة لم يتلقّوا أيّ عروض جديدة من الولايات المتحدة في ما يخصّ الملفّات ذات الأولوية، وأن عودتهم إلى صنعاء إنّما سرّعتها الحاجة الأميركية - الخليجية إلى التأسيس لدوّامة جديدة من اللقاءات، تلافياً للجوء حركة الحوثي إلى تنفيذ تهديداتها.
وهكذا، يستمرّ استخدام التفاوض أداة لضبط الصراع لا لإنهائه، وهو ما دلّت عليه بوضوح لقاءات ليندركينغ الأخيرة في أبو ظبي والرياض ومسقط، ومن نواحٍ عدّة.
ولعلّ في وراء ذلك هدفاً يتجاوز شراء الوقت، إلى فتح الباب أمام تدخّل أطراف من خارج إطار التفاوض لكسر الحلقة المفرغة على طريقة لا تتناسب تماماً مع استحقاقات المرحلة، وتحديداً ما تأمله واشنطن والرياض من تدخّل إيراني لمصلحتهما في هذا الملفّ.
في هذا الوقت، استنكرت الأوساط الموالية للحكومة، تجاهل هذه الأخيرة من قِبل الوساطة العمانية، محمّلةً «مجلس القيادة الرئاسي» مسؤولية التغيّب عن المشهد السياسي والحراك الديبلوماسي الجاري بشأن السلام.
وفيما تواصل تلك الحكومة التحريض على بعض فوائد الهدنة وتطالب بإعادة الحصار الكامل على ميناء الحديدة، يتابع «المجلس الانتقالي الجنوبي»، بدوره، الاعتراض على تنفيذ أيّ خطوات مرتبطة بالملفّ الإنساني.
إذ بالتزامن مع مغادرة الوفد العماني صنعاء، أعلن «المجلس الانتقالي» رفضه أيّ اتفاق قد يقضي بربط إيرادات الخام التي يتمّ إنتاج معظمها من المحافظات الجنوبية بصرف المرتبات، معتبراً، في بيان بعد اجتماع برئاسة رئيسه عيدروس الزبيدي، أن «كلّ موارد وثروات الجنوب هي حقٌ سيادي لأبنائه، وهم من يقرّرون مصير كلّ ما يرتبط بأرضهم، أو يمسّ حقوقهم ومصالحهم ويحدّد مستقبلهم السياسي».
وفي الاتّجاه التعطيلي نفسه، تتّجه واشنطن إلى تعيين الديبلوماسية الأميركية، ستيفاني ويليامز، نائبةً للمبعوث الأممي إلى اليمن، بدلاً من النائب الحالي، الفلسطيني معين شريم، المسؤول عن الملف الاقتصادي في مكتب المبعوث منذ تعيينه عام 2017.
ويقرأ مراقبون في هذا التوجّه محاولة لتعزيز دور المبعوث الأميركي، تيموثي ليندركينغ، وتحديداً لناحية ربط أيّ حلول لملفّ المرتبات بالموافقة على شروط سياسية مؤدّاها مسار الحرب من تدخل خارجي إلى حرب أهلية داخلية، مع ما يعنيه ذلك من تبعات على مسار السلام.
ومع تفاءل اليمنييين بإنهاء الحرب مع عودت تحرك عجلة المفاوضات على مسارات عدّة، وفي وقت واحد: مسار الفريق العُماني، ومسار المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، ومسار المبعوث الأميركي تيم ليندركينغ.
يبدو أن تلك التحرّكات لم تتجاوز إلى الآن سقف بنود الهدنة الحالية، فيما يبدو أن الهدف منها تدوير الهدنة القائمة فقط، لا الذهاب إلى هدنة موسّعة، تتمخّض عنها عملية انتقال شاملة إلى السلام الدائم.
وبرأي محلّلين، فإن عملية السلام لن تُحسم خلال مدّة وجيزة، بل ستأخذ من الوقت ما يتناسب مع مصلحة أطراف الصراع، والتحالف والولايات المتحدة؛ وإذا كانت الحرب قد استغرقت أكثر من ثماني سنوات، فإن التفاوض يراد أن يستغرق هو الآخر مدداً مستطيلة.
وعليه، فإن كلّ التحرّكات الديبلوماسية الحالية تهدف حصراً إلى إعادة إنتاج الهدنة، التي لم تُنفَّذ بنودها أصلاً، الأمر الذي يجعل من كلفتها موازية لكلفة الحرب، إن لم تكن أكثر.
وعلى أيّ حال، يبقى احتمال هبوب عاصفة جديدة كبيرة من الحرب والصراع قائماً، في انتظار ما ستكشف عنه الأيام القادمة.
قسم التحرير والمتابعة