
عندما هزّت الغارات الإسرائيلية السكون الثقيل في الحديدة
في ليلة الرابع من مايو/أيار الحالي، خيّم الترقب على شوارع المدن اليمنية، وسط تحسب لردّ إسرائيلي محتمل على هجمات الحوثيين التي استهدفت مطار بن غوريون صباح الأحد الماضي، وأدت إلى سقوط صاروخ في محيطه، بعد فشل أنظمة الدفاع الإسرائيلية والأميركية في صده، ما استدعى سيلاً من التهديدات الإسرائيلية بالانتقام.
أحاديث اليمنيين، الممزوجة بالقلق، ركزت نحو بنك الأهداف المحتمل، وتحديداً في محافظة الحديدة الساحلية غرب البلاد.
في المدينة، التي يسيطر الحوثيون عليها، ويتهمون باستخدامها منطلقاً للعديد من هجماتهم، بما في ذلك التي تستهدف الأراضي المحتلة، ظهرت علامات الاختناق بشكل أكثر وضوحاً.
أُغلقت محطات الوقود، وامتدت طوابير السيارات في الشوارع الرئيسية والفرعية.
كانت المدينة قلقة ومتهيبة، لا صوت لطيران، ولا إنذار يمنح السكان فرصة للذعر أو الهرب.
لكن الرد لم يبدأ إلا مساء أمس الاثنين، وتحديداً قرابة الثامنة مساء.
فجأة دوّت انفجارات عنيفة. صواريخ أم قنابل؟
لا أحد كان قادراً على الجزم، لكن الناس تداولوا لفظ "القنابل" أولاً، ربما بسبب الارتداد الذي شعروا به داخل منازلهم. ست ضربات متتالية مزقت صمت المدينة، التي أضاءتها ألسنة لهب سريعة، سرعان ما خمدت.
استهداف ميناء الحديدة
في غضون دقائق، جرى استهداف ميناء الحديدة ومصنع باجل للإسمنت بتوقيت متقارب لا يتجاوز 15 دقيقة، لتسفر الغارات الإسرائيلية، بحسب ما أعلنت وزارة الصحة التابعة للحوثيين، في بيان اليوم الثلاثاء، عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة 39 آخرين بجروح.
أعادت الضربات الإسرائيلية مشاهد الدمار إلى قلب مدينة الحديدة، تماماً مثلما حوّلت الهدوء الثقيل إلى ارتباك صاخب. هرع الناس في كل الاتجاهات، عائدين إلى منازلهم، باحثين عن أحبّتهم، أو عن وجهة تحميهم من المجهول الآتي.
كما أعادت هذه المشاهد إلى الأذهان صور يوليو/تموز 2024 حين اشتعلت المنشآت لأيام عندما قصفت إسرائيل ميناء الحديدة لأول مرة، لكن هذه المرة لم يكن هناك وقود يشعل الحرائق،
فالخزانات فارغة بعد ضربات أميركية متتالية على الميناء في الفترة الأخيرة جعلت من الوقود عملة نادرة أجبرت الحوثيين على تفعيل خطة الطوارئ في جميع محطاتها ومحطات وكلائها، بهدف إدارة المخزون المتاح حالياً.
وروى، ما عايشه، قائلاً: "كنت أبحث عن عبوة من البترول سعة لتر إلا ربعاً، وصل سعر اللتر في السوق السوداء إلى 1500 ريال (يصرف الدولار حالياً في مناطق سيطرة الحوثيين بنحو 535 ريالاً)، بعدما كان سعر اللتر 475 ريالاً قبل الأزمة.
لم تكن هناك محطات مفتوحة، وفكرت أن أشتري من السوق السوداء، فأنا بحاجة للعمل".
وتابع: "جاءت الضربات وأنا أتفاوض مع أحد البائعين. ست ضربات متتالية أضاءت الشارع، وربما المدينة بأكملها. لم يكن لهباً، بل ضوء الانفجار.
عدت إلى المنزل مباشرة، وتخليت عن فكرة الشراء. حين يقترب الموت منا، أتخلى عن كل شيء، عن العمل، عن المال، وحتى عن التفكير".
مضى على الحرب في اليمن أكثر من عقد، شهدت خلاله البلاد فوضى عارمة، لكن السنوات الأخيرة حملت ملامح هدنة، بدأت تتلاشى تدريجياً منذ نحو شهرين مع بدء الغارات الأميركية على الحوثيين.
أما مايو الحالي، فقد بدا كأنه يعيد مع أيامه تشغيل ماكينة الحرب من جديد: أزمة وقود، ارتباك، نزوح في أفضل الأحوال، وموت في أسوأها.
استبعاد فكرة النزوح
وعلى الرغم من الغارات والتوقعات بمزيد منها، استبعدت المدرسة نهى، فكرة النزوح عن الحديدة، قائلة: "جربتها في 2018 (إبان المعارك بين الجماعة والقوات الموالية للحكومة اليمنية)، وكانت تجربة صعبة".
وبرأيها فإنه لا يوجد مكان آمن، قائلة: "كلنا بخطر، في صنعاء أو الحديدة"، لكنها أشارت إلى أن الوضع المادي لا يسمح لها بالنزوح.
وأضافت: "سأبقى في المنزل، فإما نموت أو نعيش معاً، على الرغم من أن فكرة أن يعيش ولدي كل هذا الخوف موجعة، لكن لا يوجد خيارات أمامنا".
من جهته، أشار محمود، وهو موظف في القطاع الخاص، إلى صعوبة التنبؤ بكيفية تطور الوضع في البلد.
وتابع: "الحوثيون سيقاتلون، لأنهم يعتبرونها (المعركة) حرب بقاء بالنسبة لهم، لكن نتائجها سترتد علينا، خصوصاً أن الحرب ستكون شرسة ودموية كثيراً".
أمل محمد
صحافية يمنية.