
السؤال الصعب: ماذا ينتظر اليمن؟
شهد اليمن خلال الأسبوع المنصرم حدثين على درجة عالية من الأهمية، وقد يعطيان قراءة سالبة لما ينتظر البلد في اللحظة الراهنة؛
فبالتزامن مع تصعيد استئناف حركة الحوثي لمهجمة السفن في البحر الأحمر، من خلال إغراق سفينتين ، اعتقلت السلطات الحكومية المعترف بها دوليًا، وزير الخارجية السابق لحركة الحوثي، هشام شرف، في مطار عدن الدولي،
كما احتجزت الشيخ القبلي، محمد الزايدي، في منفذ صيرفت بمحافظة المهرة، أقصى شرقي البلاد على الحدود مع سلطنة عُمان.
على وقع حدثي الاعتقال تصاعدت نبرة الإدانة والتهديد بين طرفي الصراع؛ حد التهديد العسكري لقائد محور المهرة؛ قبيل وصول مشايخ من قبيلة خولان الشمالية إلى محافظة المهرة، في مسعى لإطلاق سراح أحد مشائخ قبيلتهم المعتقل هناك على خلفية ما يعتبره البعض انتمائه لحركة الحوثي؛
بالتزامن مع صدور توجيهات من القضاء العسكري في مأرب بإحالة وزير الخارجية السابق لحكومة الحوثي إلى نيابة عسكرية تمهيداً لمحاكمته عسكريًا بتهمة التمرد.
ما يمكن قراءته في هذين الاعتقالين هو حجم الاهتراء الذي صار إليه النسيج الوطني (الاجتماعي والسياسي) في البلد؛ مع استمرار الضخ في عجلة الكراهية، حد بات معه البلد متأهبًا لأن يذهب إلى حرب لا عودة منها.
مما يعني أن الوضع في اليمن صار هشًا للغاية، والطريق إلى استئناف الحرب بات معبدًا لدرجة صارت كل السلطات القائمة على ما تبدو تنشد الحرب؛ لأنها في الواقع غير متحققة؛
وبالتالي ضمان بقاء اليمن مقسمًا؛ من خلال استمرار بقاء البلد في حالة اللاحرب واللاسلم كضمان لديمومة بقاء السلطات والمشاريع، بل والإمعان في تفريخ المزيد من المشاريع التفتيتية؛
وبالتالي لا مسلك إلا المضي في تأجيج الكراهية وتكريس الانقسام؛ والنتيجة هي مزيد من اهتراء الوعي الوطني وتمزق النسيج الاجتماعي والسياسي، واستمرار بقاء البلد غير صالحة للتعايش وطاردة للاستقرار.
يؤكد ذلك ما يشهده اليمن من جمود في مسار عملية التسوية السياسية؛ وهو الجمود الذي يتكشف خلاله ما سبق وأكده المبعوث الأممي هانس غروندبرغ وتؤكده الوقائع، وهو انه ما زال للحرب مريدوها داخل أطراف الصراع، ممن يؤجج ويحرص على الذهاب للتصعيد العسكري؛
ليس لأن الحرب هي الحاسمة؛ بل لأن الحرب لم تعد قادرة على الحسم؛
وبالتالي سيظل وضع اللاحرب واللاسلم مصدرًا للاستثمار واستمرار السلطات القائمة على حالها مع مزيد من التقسيم؛ وهو واقع يعول عليه تجار الحرب ممن يعرفون جيدًا أنهم مرفوضون في مرحلة ما بعد الحرب؛
فذلك ما يرمي إليه من يدعمون بقاء اليمن مجزئًا ومقسمًا تحت راية باتت بلا روح؛ بل صارت هناك رايات أخرى تزاحمها مكانها.
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 وعقب اندلاع طوفان الأقصى ذهبت حركة الحوثي باتجاه إسناد غزة من خلال ؛ وهذا الإسناد تجلى بدرجة رئيسية في استهداف السفن المرتبطة أو المتجهة إلى إسرائيل من ناحية،
ومن ناحية أخرى استهداف العمق الإسرائيلي بالضربات الصاروخية وهجمات الطيران المسيّر، في عملية لم تتوقف إلا خلال فترة هدنة تمت بين «حماس» وإسرائيل أوائل العام الجاري.
وهذا الإسناد كان تأثيره سلبًا على مسار عملية التسوية السياسية، إذ استغلها جيدًا تجار الحرب والتقسيم في الداخل والخارج؛ فتعثرت الجهود الرامية لوضع حد للحرب المستمرة منذ أكثر من عشرة أعوام،
ولم تستطع جهود الوساطة الأممية تحقيق أي خطوة للأمام؛ باستثناء لقاء للجنة الأسرى والمحتجزين في مسقط واتفاق اقتصادي لـ«احتواء التصعيد»، وقبلهما الاتفاق على خريطة طريق، بينما فشلت كافة المساعي في تحقيق أي تقدم حقيقي.
منذ مستهل الأسبوع الماضي، استأنف حركة الحوثي هجماتها على السفن التي ترتبط أو تتجه إلى إسرائيل؛ وأعلنت مسؤوليتها عن استهداف وغرق سفينتين.
وبينما أُعلن عن فقدان بعض أفراد طاقم سفينة إيترنيتي سي اليونانية؛ أوضح بيان للمتحدث العسكري للحركة أن قواتهم تمكنت من انقاذ بعض أفراد الطاقم ونقلهم إلى مكان آمن.
وبالتالي فالسؤال الآن في غمرة هذه التعقيدات التي تشوب اللحظة اليمنية الراهنة: ماذا ينتظر اليمن؟
وهو سؤال قد يبدو صعبًا؛ لأنه يفتح الباب على إجابه حبلى بالاحتمالات والتوقعات والمخاوف أيضًا.
يقول أمين عام حزب التجمع الوحدوي اليمني، عبدالله عوبل : «هو سؤال صعب، إذ لا يوجد في الأفق ما يمكن أن نبني عليه توقعات. الحلول السياسية معطلة،
وتحركات المبعوث الأممي لا نلمس لها نتائج، حتى الجوانب الإنسانية التي يتحدثون عنها تدهورت كثيرًا. في مناطق الشرعية تنتشر المجاعات وانهيار الخدمات من ماء وكهرباء وتعليم،
وفي مناطق الحوثي مجاعات، مع استمرار وجود عملتين وبنكين، فيما الفقر يطحن الناس في كامل الأرض اليمنية. قيادات سياسية فاسدة وفاشلة لم تقدم حلولًا للمشكلات الاقتصادية التي تطحن الناس، وتقف عاجزة متفرجة على شعب تفتك به المجاعات والأمراض والجهل».
وأضاف مشيرًا إلى حالة اللاحرب واللاسلم: «منذ نيسان/ أبريل 2022 تعيش البلاد حالة اللاحرب واللاسلم، وخلال هذه الفترة تدهورت الأوضاع الإنسانية بشكل مخيف، وهي فترة من الترقب للمجهول.
وهذه هي أخطر الفترات الزمنية التي لم تتجه فيها البلاد نحو التنمية، ولا إعادة ما دمرته الحرب، بل التهام ايرادات البلد باسم الاستعداد للحرب».
وعلى الرغم من كل ذلك يستدرك مضيفًا: «أعتقد الآن الفرصة سانحة للسلام أكثر من أي وقت. لا أدري لماذا تتوقف الآن مبادرات السلام، بعد أن أنهكت أطراف الحرب. وأعتقد إن الحديث عن حرب في ضوء الحالة التي عليها طرفي الحرب أمر غير ممكن».
وتابع: «فيما يتعلق بالجمود؛ فبالتأكيد لن يستمر الجمود طويلًا. فالمملكة العربية السعودية قائدة التحالف ترغب في إنهاء هذه الحالة لتتفرغ لتنفيذ برامجها التنموية وخطتها 2030. بالتأكيد فإن تدخلات إقليمية ودولية أخرى ما زالت تؤثر في الملف اليمني».
ورغم إن دعم أخوتنا في غزة صار مطلوبًا، ولكن حين نكون قادرين على إطعام شعبنا وتعويض فوري لما تهدمه طائرات العدو الصهيوني. إن حرب عشر سنوات دمرت الأخضر واليابس. لم يبق شيء في هذه البلاد، لا مؤسسات ولا بنى تحتية ولا اقتصاد.
على جميع الأطراف أن تذهب للسلام وأن تتنازل عن طموحاتها وأوهامها من أجل أن ننقذ شعبنا من هذا الجحيم».
مما سبق؛ لا يمكن التقليل من الموقف الإسنادي لغزة؛ ولا مما يبذله سعاة السلام من جهود لتقريب وجهات النظر وتوسيع المساحة المشتركة بين أطراف الصراع؛ إلا أن الوضع الراهن في اليمن يتصدره نافخو الكير؛
فالمؤشرات ما زالت سالبة أكثر منها إيجابية؛ إي أن اليمن لم يتجاوز الطريق نحو استئناف الحرب بعد، بل هو قريب منها؛ لاسيما في ظل ما يمتلكه (تجار النار) من قوة ونفوذ؛
ولهذا يبقى السؤال عما ينتظر اليمن سؤالًا صعبًا في اللحظة الراهنة، التي اختلطت فيها آثار حوافر الخيول بآثار أقدام الثعالب.
أحمد الأغبري