
الصمت الأميركي يحيّر الشركاء.. لماذا تتردد واشنطن في الرد على هجمات الحوثيين؟
يثير الرد الأميركي «غير المتكافئ» على التصعيد العسكري الذي تمارسه ميليشيات الحوثيين، بحجة «دعم غزة»، كثيراً من التساؤلات عن أسباب «ضبط النفس» الذي تمارسه إدارة بايدن، على الرغم من الأخطار التي تسببها تلك الهجمات، سواء على الأمن البحري أو على استقرار المنطقة.
وفيما تؤكد وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أنها تقوم بالرد على التحرشات الحوثية، بالأدوات العسكرية اللازمة، أعرب العديد من المسؤولين الأميركيين عن إحباطهم جراء ما يعدّونه «تقليلاً متعمداً» من إدارة بايدن، للتهديدات التي تتعرض لها القوات والمصالح الأميركية في المنطقة.
وبينما تنشغل مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام ، بالبحث عن تفسيرات حقيقية لالتزام الولايات المتحدة الصمت إزاء الضربات التي تتعرّض لها السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر وباب المندب.
أعلنت الخارجية الأميركية، مساء الاثنين، أن المبعوث الأميركي الخاص لليمن تيم ليندركينغ سوف يزور منطقة الخليج هذا الأسبوع، «للعمل مع الأمم المتحدة والشركاء الأقليمنيين والدوليين لدعم حل الصراع في اليمن في أقرب وقت ممكن».
وأضافت الخارجية، في بيان، أن الولايات المتحدة «تعمل مع شركاء بحريين رئيسيين لتأمين ممر آمن للشحن العالمي»، وأن المبعوث الأميركي «سيبحث مواصلة الدبلوماسية المكثفة والتنسيق الإقليمي لحماية الأمن البحري في البحر الأحمر وخليج عدن، وسط الهجمات الحوثية على الشحن الدولي».
وأوضحت الخارجية الأميركية أن ليندركينغ سيؤكد ضرورة احتواء الصراع بين كيان الاحتلال الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، مع مواصلة التشديد على أولوية الولايات المتحدة المتمثلة في الحوار السياسي اليمني - اليمني لإنهاء الحرب في اليمن.
وقالت الخارجية الأميركية إن «نشوب صراع أوسع في الشرق الأوسط لا يخدم مصالحنا ولا مصالح شركائنا الإقليميين الداعمين للسلام الدائم في اليمن».
ورغم مسارعة السفن الحربية الأميركية المنتشرة في المنطقة للاستجابة إلى نداءات الاستغاثة من سفن مدنية تعرضت لهجمات وعمليات قرصنة في البحر الأحمر، فإن البنتاغون رفض التأكيد ما إذا كان الهجوم الذي جرى يوم الأحد، كان يستهدف السفينة الحربية الأميركية، «يو إس إس كارني» التي أسقطت 3 مسيرات حوثية.
كما رفض مستشار الأمن القومي جيك سوليفان «تقييم هذا الهجوم» على أنه يستهدف السفينة الأميركية، على ما درجت عليه إدارة بايدن في تقييم الهجمات السابقة، منذ اندلاع الحرب في غزة.
بالمقابل يَظهر الجانب الإسرائيلي عاجزاً عن المواجهة ، فقد اعترفت نُخبه بعدم قدرة جيش الاحتلال على فتح جبهة عسكرية جديدة مع اليمن.
وهذا ما ذهب إليه محلّل الشؤون العسكرية في «القناة 13»، ألون بن دافيد، حين قال إن «إسرائيل لا تستطيع التعامل مع الجبهة اليمنية التي تقع على مسافة بعيدة، وتتطلّب تخصيص موارد كبيرة تحتاج إليها إسرائيل في المواجهة الحالية مع قطاع غزة».
ولذلك، ترَك الكيان أمر التصرّف في شأن حماية سفنه وكل مصالحه البحرية، للقوات الأميركية.لكن رغم مشاركة القطع البحرية الأميركية في حماية السفن والناقلات الإسرائيلية، واتّباع هذه الأخيرة عمليات تضليل متعدّدة، إلّا أنّ القوات البحرية اليمنية لا تزال تتمكّن من تحديد مواقع السفن الإسرائيلية، وهو ما يثير حيرة مراقبين وخبراء.
وفي هذا الإطار، تحدّثت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية عن قلق مُلّاك السفن من تلك القدرات المتوافرة لدى حركة الحوثي.
فيما لفتت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن الهجمات التي تشنّها حركة الحوثي ستتسبّب في أضرار اقتصادية جسيمة للغرب، ناقلةً مطالبة مسؤولين إسرائيليين، الغرب، بالتدخل «لأن العالم سيخسر الكثير من المال».
أما خليجياً، فترفض العقلية السائدة إلى الآن الاعتراف بالحقائق، حيث إن القيادات والنخب الخليجية تعكف، انطلاقاً من حالة الإنكار هذه، على الترويج لكون العمليات اليمنية ضد السفن الإسرائيلية غير مؤثّرة، وستجلب الدمار لليمن، وتشكّل تهديداً للملاحة الدولية، وتستغلّ قضية فلسطين، وتوفّر ذريعة للقطع البحرية الإسرائيلية للانتشار في البحر الأحمر.
وفي الوقت نفسه، تنظر تلك القيادات والنخب بكثير من التوجّس والريبة إلى السلوك الأميركي حيال العمليات المشار إليها، ولا سيما في ظلّ النقاش الدائر حالياً في دوائر القرار الخليجي حول الحماية الأميركية والجدوى منها.
وترى القيادات السياسية في الخليج في الصمت الأميركي أمراً محيّراً، إذ إنّ إسرائيل هي القاعدة الأمامية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بل في العالم.
ومع ذلك، تطغى الحسابات الأميركية على المصالح الإسرائيلية في هذه الجزئية من الصراع، وهو ما يثير خشيةً خليجيةً من أنه في حال افتراق المصالح، ولو على المستوى التكتيكي، فإن واشنطن قد لا تفعل شيئاً لحماية دول الخليج، وتبقي ظهر الأخيرة مكشوفاً.
وهي مخاوف لا يخفيها الخليجيون في نقاشاتهم التي تجري بشكل شهري مع مسؤولي الإدارة الأميركية الذين يزورون المنطقة، إذ يقولون لهم: «إنكم تركتم أجواءنا مكشوفة في كثير من المرات أمام الاستهداف الحوثي للمنشآت الحيوية في المنطقة».
والواقع أن عدم الردّ الأميركي على الهجمات الحوثية ينطلق، بالدرجة الأولى، من الحرص على منع اتّساع رقعة الحرب. ومع ذلك يبدو أن واشنطن لم تتّخذ بعد قراراً نهائيّاً حول ما يجب فعله إزاء ما يحصل في البحر الأحمر، وهو ما انعكس في تصريحات مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان، الأخيرة، حينما قال إن بلاده بحاجة إلى مزيد من التشاور لتشكيل قوة بحرية لحماية السفن في المياه الدولية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن قوات مشتركة متعدّدة الجنسيات، هي عبارة عن شراكة بحرية من 34 دولة، منها دول الخليج ومعظم دول «الناتو»، تتموضع في البحر الأحمر.
وفي السياق نفسه، أعلنت «هيئة البث الإسرائيلية»، أمس، أن إسرائيل بحثت مع دول أخرى إنشاء قوة لحماية الملاحة في البحر الأحمر.
لكن رغم كل ما تقدّم، ثمّة اعتراف غربي بصعوبة منع صنعاء من تنفيذ مهماتها في البحر الأحمر، حيث اعتبرت مجلة «نيوزويك» الأميركية أن «محاولة حماية كل سفينة تجارية تتحرّك في البحر الأحمر عبر باب المندب، هي بمنزلة كابوس على البحرية الأميركية».
كما لا تخفي كلّ من الولايات المتحدة وإسرائيل أن عملية عسكرية ضدّ اليمن لن تكون إلا بالشراكة مع الخليجيين.
وتدرك جميع هذه الدول أنه ليس لدى صنعاء ما تخسره، وأن أيّ اعتداء عليها سيبرّر للقوات المسلحة اليمنية توسيع الاشتباك ليشمل كامل مساحة البحر الأحمر وباب المندب، ونسبيّاً بحر العرب، مباشرة أو بواسطة الأصدقاء.
كذلك، يعلم الجميع أن اليمن يوظّف موقعه الجغرافي المميّز بكفاءة، بما يخدم أهدافه العسكرية والإستراتيجية.
فيما تعرف واشنطن، التي راقبت بحريتها الجيش اليمني ومناوراته المتعدّدة في البحر الأحمر في أكثر من مناسبة، القدرات والإمكانات والتكنولوجيا المتوافرة لديه، والتي في مقدورها تنفيذ المهمّات البحرية في ظلّ وجود قوى أجنبية معادية.
وعليه، قد تضطرّ الولايات المتحدة، في الأيام والأسابيع المقبلة، للطلب من الشركات الإسرائيلية أو الشركات المتعاملة مع إسرائيليين تجنّب باب المندب، وذلك لمنع مضاعفة الأعباء على القطع الأميركية المنتشرة في الخليج، وأيضاً لمنع زيادة التعقيد على مسارات الملاحة البحرية.
لكن غرق إحدى السفن في باب المندب - وكان من الممكن أن يحدث هذا في استهدافات يوم الأحد الماضي - قد يؤدي إلى التأثير على التجارة العالمية بأسرها، خصوصاً في الغرب وأوروبا، وقد يفرض على واشنطن التدخّل العسكري وتوسعة الحرب، وهذا ما تعمل على تجنّبه إلى الآن.
خفض متعمد للتوتر
نقلت صحيفة «بوليتيكو» عن مسؤولين دفاعيين أميركيين، قولهم إن الإدارة تقلل من خطورة الوضع في البحر الأحمر من أجل تجنب تصعيد التوترات في منطقة متوترة بالفعل بسبب الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين في غزة.
ورغم ذلك، أشاروا إلى أن الإدارة تعمدت ترك الباب مفتوحاً للمناورات السياسية، عندما رفضت التأكيد بشكل قاطع ما إذا كانت الهجمات تستهدف السفن الأميركية بشكل مباشر.
وفي بيان صدر يوم الاثنين للتعليق على مقتل المسلحين، وإسقاط المسيرات الحوثية في البحر الأحمر، حذرت القيادة الأميركية الوسطى (سينتكوم)، من أن الولايات المتحدة «تدرس جميع الاستجابات المناسبة».
وقال سوليفان للصحافيين، يوم الاثنين: «لدينا كل الأسباب للاعتقاد بأن هذه الهجمات، رغم أن الحوثيين في اليمن يقفون وراءها، لكن تم تمكينها بالكامل من قبل إيران».
وأشار سوليفان إلى أن المسؤولين الأميركيين يجرون محادثات مع دول أخرى حول إنشاء «قوة عمل بحرية من نوع ما» تشمل سفن الدول الشريكة، إلى جانب السفن الأميركية، للمساعدة في ضمان «المرور الآمن للسفن في البحر الأحمر».
وفيما يوجد بالفعل قوات بحرية مشتركة، تضم 38 دولة، مقرها البحرين وتركز على مكافحة الإرهاب والقرصنة، لم يستبعد المسؤولون احتمال رد الإدارة على هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
وقال مسؤول دفاعي: «إذا أجرينا التقييم أو شعرنا بالحاجة إلى الاستجابة، فسنتخذ دائماً هذا القرار في الوقت والمكان الذي نختاره. هذا قرار سيتخذه وزير الدفاع بالاشتراك مع الرئيس».
وسلط الأدميرال كريستوفر جرادي، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة، خلال مشاركته في فعالية يوم الاثنين في واشنطن، الضوء على الهجمات على الشحن الدولي في البحر الأحمر ووصفها بأنها «أمر كبير».
وقال جرادي: «هذا إلى حد كبير توسع ربما للصراع الأكبر بين إسرائيل و(حماس)». وأضاف قائلاً: «هذه ليست مشكلة الولايات المتحدة فقط. هذه مشكلة دولية. هناك بلا شك يد إيرانية في هذا. لذا فإن هذا يبدو إلى حد ما مثل التصعيد الأفقي».
قسم التحرير والمتابعة