الغرب: كيف نتخلّص من زيلينسكي ونتنياهو؟
في حديث إلى صحيفة "واشنطن بوست"، يوم الجمعة في 29 آذار/مارس 2024، هدّد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الكونغرس الأميركي، قائلاً إنه "إذا لم نحصل على دعم أميركي فسيتعين علينا التراجع خطوات صغيرة بالتدريج، وسيحتل الروس مدناً كبرى".
وفي تصريحات سابقة، مع بداية الحرب الأوكرانية، كان زيلينسكي هدّد قادة الغرب بأن أوكرانيا تخوض حرباً عن الغرب (أو سمّاه العالم المتحضر). وتوجَّه إلى الأوروبيين قائلاً إن بوتين سيأكلكم إذا خسرت أوكرانيا، مؤكداً أن خسارة كييف للحرب وانتصار روسيا سيقرّبان الصراع من الغرب، وأن بوتين لن يتوقف حتى يصل إلى جدار برلين.
ووفق الأسلوب التهديدي والتحريضي نفسه، أنّب نتنياهو حلفاءه في آذار/مارس 2024 بسبب مطالباتهم بوقف الحرب، عادّاً انهم فقدوا الاخلاق. ووجّه انتقادات لاذعة إلى من وصفهم بالأصدقاء في المجتمع الدولي، مؤكداً رفضه الضغوط الهادفة إلى إجراء انتخابات في "إسرائيل" وإيقاف الحرب على غزة.
وتماماً كما زيلينسكي قبله، كان نتنياهو مبكّراً في 7 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2023. وفي بداية الحرب على غزة، وجّه رسالة إلى من سماهم "قادة العالم"، قائلاً "إن حرب اسرائيل هي حربكم، وإن لم ننتصر فأنتم الهدف التالي".
تتشابه الحرب في غزة وأوكرانيا في الدعم الغربي المطلق لحليفين في منطقتين استراتيجيتين. فهزيمة روسيا وإضعافها، ثم تفكيكها، وهي الأهداف التي جاهر الغربيون في إعلانها، تقابلها هزيمة حماس والقضاء على "فكرة المقاومة" في المنطقة، والوصول إلى إضعاف إيران، عبر الضغط عليها وعلى حلفائها في المنطقة (عبر تهديدهم بمصير مشابه لمصير حماس).
وفي مقارنة سريعة بين حرب أوكرانيا وحرب غزة، واللتين تُخاضان عبر دعم غربي واضح، نجد أن الإحراج الغربي بات واضحاً في الحربين، بعد تعذّر القدرة على تحقيق الأهداف.
وهكذا، قلّ الاهتمام الأميركي بحرب أوكرانيا مع دخول المعركة الانتخابية الرئاسية الأميركية عامها المفصلي، ورفض الجمهوريين في الكونغرس تقديم مزيد من المساعدات إلى أوكرانيا، وتصدّر الحرب الإسرائيلية على غزة الاهتمام، أميركياً وعالمياً، بينما يؤمن خبراء عسكريون بصعوبة تحقيق الجيش الأوكراني أي انتصارات مستقبلية، واستحالة استعادة الأراضي التي تسيطر عليها روسيا.
أمّا في حرب غزة، فكان لافتاً التباين - العلني أقله - بين الإدارة الأميركية وحكومة نتنياهو بشأن موضوع الأداء العسكري الإسرائيلي، الذي لم يكن على قدر الآمال المعقودة عليه، أميركياً وأوروبياً.
لقد توقع الغربيون حرباً سريعة على قطاع غزة تعطي الإسرائيلي القدرة على تصفية القضية الفلسطينية، والتخلص من المقاومة في القطاع، وتسمح للغرب بتسجيل نقاط مهمة في الصراع العالمي، وخصوصاً في الشرق الأوسط، وإيصال رسائل شديدة اللهجة إلى طهران وحلفائها في المنطقة بوجوب استسلامهم للمطالب والشروط الغربية.
لم يطابق حساب الحقل حساب البيدر في غزة، إذ مرت فترة السماح الممنوحة لـ"إسرائيل" لتحقيق الأهداف، والتي ترافقت مع غضّ نظر ودعم واضح في المحافل الدولية ومجلس الأمن، وتوريد السلاح والزيارات المكوكية الغربية للمنطقة.
وها هي أشهر ستة مرّت من دون تحقيق أي من الأهداف المعلنة، وما زالت المقاومة الفلسطينية تقاتل في شمالي قطاع غزة، والذي قالت "إسرائيل" إنها قضت على المقاومة فيه.
وكما أوكرانيا، التي استمر الغرب في تسليحها وتحضيرها للمعركة الكبرى منذ عام 2014، تبدو "إسرائيل" ضعيفة وعاجزة عن تحقيق المهمة المنوطة بها.
لقد اعتقد الغرب أن "إسرائيل" استطاعت، عبر الدعم الغربي غير المسبوق، أن ترمم قدرة الردع لديها، والتي فقدتها خلال حرب تموز/يوليو مع لبنان، واقتنع الغرب و"إسرائيل"، ومعهما قادة بعض الدول في المنطقة، أن "إسرائيل" قادرة على حمايتهم مما سموه "الخطر الإيراني"، فاندفعت الإدارات الأميركية إلى تسويق فكرة ناتو عربي (فكرة لم يقدّر لها النجاح لا في عهد ترامب ولا بايدن).
لكن "إسرائيل"، بعكس الصورة التي تمّ تسويقها عبر حرب نفسية ودعاية وحرب معلومات، ظهرت مرة أخرى أضعف من أن تستطيع أن ترسم خريطة شرق أوسط جديد، كما كانت إدارة بوش تريد منها أن تفعل، أو كما أراد بايدن أن يحقق عبرها انتصاراً يُحسَب له في انتخاباته المقبلة.
وبانتهاء فترة السماح الغربية، وبمرور الأشهر الطوال من الإبادة المستمرة للفلسطينيين، بات الغرب وقادته يريدون التنصل من مسؤولية الإبادة والقتل والتوحش.
وكما الحرب الأوكرانية، والتي يتجه الأميركيون إلى التخلي عنها لمصلحة تسوية تحدّ الخسائر وتُنهي الصراع بعد فشل تحقيق الأهداف، يحاول الغرب أن يُنهي الحرب الإسرائيلية في غزة، كي يَحُدّ التكلفة العالية لخسارة صورة الغرب المتفوق أخلاقياً!
بالإضافة إلى أنه – لأول مرة - يدخل الصراعُ الفلسطيني الإسرائيلي عاملاً (بطريقة أو بأخرى) في الانتخابات في الولايات المتحدة وأوروبا. وهكذا، باقتناع الغرب بعدم القدرة على تحقيق الأهداف، ستكون المشكلة: كيف يمكن التخلص من نتنياهو وزيلينسكي؟
* ليلى نقولا - أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية