ماذا يحدث لمعتقلي سبتمبر؟!
شنت سلطات الحوثي حملة اعتقالات غير مسبوقة مع اقتراب الذكرى الثانية والستين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر.
وأدت الحملة إلى اعتقال المئات، توزعوا بين شخصيات اجتماعية وقيادات مؤتمرية ومحامين وكتاب وناشطين وصحفيين، وحتى من هم دون سن التكليف القانوني.
وامتدت الحملة من أمانة العاصمة صنعاء لتشمل كل المحافظات الواقعة تحت سلطة الحوثيين، باستثناء محافظة صعدة التي تنحدر منها أغلب قيادات الجماعة ونافذيها.
ومنذ يوم 25 سبتمبر/أيلول، أخذت الحملة منحى مختلفًا؛ حيث بدأت عمليات الاعتقال تستهدف من يحملون العلم أو يسمعون الأغاني الوطنية التي تمجد ثورة 26 سبتمبر في سياراتهم.
وفيما كانت الاعتقالات للقيادات المؤتمرية والشخصيات الاجتماعية وغيرهم تتم من قبل المخابرات، صارت الاعتقالات منذ 25 سبتمبر تُنفذها أقسام الشرطة والنقاط الأمنية في الشوارع.
وتفيد المعلومات أن الاعتقالات على ذمة رفع العلم وسماع الأناشيد الوطنية تمت بناءً على توجيهات من قطاع استخبارات الشرطة في وزارة الداخلية بصنعاء.
وكثير من الذين تم اعتقالهم مؤخرًا، وما زال أغلبهم في الأقسام والمناطق الأمنية، أطفال لا تتجاوز أعمارهم الثمانية عشر عامًا، أي أنهم خارج سن التكليف القانوني.
وأفاد مصدر أمني بأن أغلب المعتقلين من الأطفال يتواجدون في المناطق الأمنية الواقعة جنوب العاصمة صنعاء وشمالها، وتحديدًا في حيي حدة والجراف.
وأغلب هؤلاء تم اعتقالهم من الشوارع بسبب وجودهم في سيارات ترفع العلم، ويستمعون لأغاني وطنية، أو خرجوا إلى الشوارع وعلى ملابسهم صور للعلم الوطني.
يقول محمد مذكور إن شابًا مع زملائه خرجوا يوم 25 سبتمبر بهدف شراء تجهيزات لعرسه المحدد يوم 10 أكتوبر الجاري، فأوقفتهم نقطة أمنية في حي الجراف بحجة وجود العلم على السيارة، وتم الزج بهم في حجز قسم شرطة 26 سبتمبر، وما يزالون محتجزين.
وأفاد النائب في برلمان صنعاء ورئيس مكون الاحرار, عبده بشر إن سلطة الحوثي طلبت من المعتقلين على خلفية الاحتفال بثورة 26 سبتمبر, التوقيع على تعهد بعدم رفع العلم الوطني او عدم الاحتفال بثورة سبتمبر.
واصفا ذلك بالأمر غير المنطقي او العقلاني وليس حتى عرفا. حسب وصفه في رسالة وجهها إلى النائب العام, وزير الداخلية, ورئيس جهاز المخابرات والأمن, ورئيس جهاز الأمن الوطني, يطالب فيها بالافراج عن المعتقلين. على خلفية رفع العلم اليمني والاحتفال بعيد ثورة 26 سبتمبر.
وقال بشر إن. مطالبة سلطة الحوثي للمعتقلين , بالتوقيع على تعهد بعدم رفع العلم الوطني وعدم الاحتفال بثور سبتمبر, يسيء للسلطة والأجهزة الأمنية.
وأضاف "بدلا من اطلاق سراح من لم يثبت عليهم أي شيء, استمر الاعتقال والاخفاء دون اي مبرر أو مسوغ قانوني".
وأكد بشر ان الغرض من ذلك هو زيادة الاحتقان الشعبي واستهداف الجبهة الداخلية.
ويؤكد خلدون العامري أن نجله أشرف (13 عامًا) تم حجزه مع آخرين في قسم شرطة المجمع الصناعي بشارع بغداد بصنعاء، على ذمة رفع العلم وسماع أغاني وطنية في سيارة كانوا يتواجدون فيها ليلة 25 سبتمبر، ولم يُفرج عنهم إلا يوم 28 من الشهر نفسه.
ويقول مصدر مطلع إن 21 من أعضاء اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام تم اعتقالهم ليلة 26 سبتمبر/أيلول 2024، وجميعهم في سجون جهاز المخابرات في صنعاء وبعض المحافظات.
وأضاف أن عدد المعتقلين منذ يوم 25 سبتمبر وحتى 27 سبتمبر 2024 اقترب من 150 معتقلاً في أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء، وأغلبهم في سجون أقسام الشرطة والمناطق الأمنية، وبعضهم لم يجرِ التحقيق معهم.
وأفاد بأن المفرج عنهم حتى ليلة 30 سبتمبر لم يتجاوزوا 25 معتقلاً، وأن بعضهم طُلب منهم ضمانات تجارية.
يقول الكاتب الصحفي محمود ياسين إن نجل شقيقته (13 عامًا) تم سجنه على ذمة رفع العلم في محافظة إب، ومساء الاثنين 30 سبتمبر صدر أمر بالإفراج عنه، وعندما طالب بهاتفه الذي لم يجده ضمن مقتنياته، تم إعادته مرة أخرى إلى السجن، وأبلغوه بأن ينتظر الإفراج عنه من وزارة الداخلية بصنعاء.
ونشر الحقوقي أحمد ناجي أحمد على حسابه في فيسبوك صورة لضمانة تجارية، قال إن والد أحد الشباب القاصرين قدمها لقسم الشرطة المحتجز فيه نجله، التزم بموجبها بعدم الاحتفاء بذكرى ثورة 26 سبتمبر أو رفع العلم الوطني أو فتح الأناشيد الثورية.
وكان عضو المجلس السياسي الأعلى، سلطان السامعي، قد انتقد حملة الاعتقالات على خلفية إشعال النيران على الجبال احتفاءً بذكرى ثورة 26 سبتمبر، واصفًا من يمارسها بـ"المدسوسين".
وتفيد مصادر مطلعة أن 17 شخصًا أشعلوا النيران ليلة 26 سبتمبر في مديريات التعزية وماوية وشرعب السلام وخدير، تم اعتقالهم من قبل إدارات الأمن في المديريات، وأغلبهم من الشباب.
ورغم أن السلطة نظمت احتفال ليلة 26 سبتمبر في ميدان التحرير بصنعاء وسط إجراءات مشددة، إلا أن عمليات اعتقال تعرض لها شباب من الحاضرين.
يقول صلاح عرفات إن شقيقه (14 عامًا) وابن خاله (16 عامًا) اعتقلا من محيط ميدان التحرير لأنهم كانوا متوشحين العلم، وتم إبلاغه من آخرين بأن الشرطة تبحث عنه، فلم يكن أمامه من خيار سوى مغادرة صنعاء.
ورغم المطالبات المستمرة من الناشطين الحقوقيين والمثقفين بالإفراج عن المعتقلين، إلا أن سلطة الحوثي لا تعير تلك المطالب الحد الأدنى من الاهتمام، ومن يتم الإفراج عنهم ليسوا سوى عدد قليل من المعتقلين في أقسام الشرطة.
وكثير من القُصر المعتقلين على ذمة رفع العلم في أقسام الشرطة سببوا آلامًا ومتاعب لأسرهم.
يقول المحامي عبد الرقيب الحيدري إن نساء قدمن إليه عبر أسرته لمتابعة الإفراج عن أبنائهن، وكن يبكين بحرقة وألم وخوف على أطفالهن، مبينًا أن الطفل في القانون اليمني هو من تجاوز سن الرضاعة وحتى سن 18 سنة.
ورغم أن الاعتقالات تفتقر للأساس القانوني، إلا أن السلطة تصر على عدم الإفراج عن المعتقلين، وهو ما يضع ثقة المجتمع بالسلطة على المحك، كون من اعتُقلوا على ذمة رفع علم بلادهم.
وكانت سلطة الأمر الواقع قد حذرت عبر وسائل إعلامها قبل أيام من حلول ذكرى ثورة 26 سبتمبر من "مخططات ومؤامرات" تستهدف السكينة العامة، مستغلة خروج الناس للشوارع للاحتفال، فيما شن ناشطوها حملة ترهيب بالقمع على السوشيال ميديا موجهة لمن يسعون للاحتفال بذكرى الثورة، تبعها شن حملة اعتقالات واسعة استهدفت كل من يحمل العلم ويسمع الأغاني، دون تفريق بين بالغ وطفل، ربما بهدف إيصال رسالة ردع للمجتمع مستقبلاً لعدم الاحتفال، ما يكشف عن وجود توجسات ومخاوف لدى السلطة من أي تحرك للمجتمع.