عام على الإبادة: 900 عائلة غزية محيت من الوجود
منذ بدء العدوان على قطاع غزة في السابع من أكتوبر، انتهج الاحتلال سياسة واضحة عنوانها استهداف المدنيين الفلسطينيين،
بل ومسح عائلات كاملة من السجلّ المدني، عبر استهدافها في بيوتها وفي مراكز الإيواء التي التجأت إليها، وذلك في ظل صمت عربي ودولي على تلك الجرائم.ومن بين العائلات التي أبيدت عن بكرة أبيها، عائلة سالم التي قدمت ما يقرب من 225 شهيداً.
ففي صبيحة الـ11 من كانون الأول الماضي، استهدفت طائرات الاحتلال منزل الحاج رمزي سالم الذي كان يؤوي نحو سبع أسر، ما أدى إلى استشهاد 85 فرداً.
وتعليقاً على ذلك، يصف الحاج أبو محمد سالم، اليوم المذكور بـ«المرعب والمخيف».
ويروي، في حديثه إلى «الأخبار»، وقائع اليوم المشؤوم، حين كانت الدبابات الإسرائيلية تحيط بمربعه السكني في حي الشيخ رضوان، وتطلق قذائفها، ما أدى إلى احتراق المبنى الذي كان يقطن فيه، قبل أن ينتقل إلى مبنى الجيران.
ويبيّن الرجل أن شقيقه كان يحتمي في منزله، بالإضافة إلى أبنائه وزوجاتهم وصغارهم، وأنساب آخرين، ليصل العدد إلى ما يقارب 75 فرداً قضوا مرّة واحدة بصاروخ حربي، «وفي بيتي المجاور له، كنّا 22 آخرين، استشهد منهم 10 أفراد».
وفي السياق ذاته، تقول صابرين سالم، التي قضى من عائلتها 140 شهيداً، إن الاحتلال الإسرائيلي دفعهم إلى النزوح من معسكر جباليا إلى شارع الوحدة في مدينة غزة، إثر استهدافه لهم بقنابل الغاز المسيل للدموع.
وتوضح أنها كانت رفقة طفليها ووالديها المسنّين، وأعمامها وعماتها وخالها وخالاتها، والذين بلغ مجموعهم نحو 153 شخصاً. ثم تتابع: «في الـ17 من كانون الأول، حاصرتنا دبابات ومسيرات الاحتلال الإسرائيلي، لتنقضّ علينا منتصف ليل الـ19 بصواريخها الحربية وتلقي بي في منتصف الشارع». كانت الحجارة ملتصقة بيدها التي أصيبت بكسور، والجروح تغطي جسدها، فيما دبابات الاحتلال وجرافاته قادمة في اتجاهها.
وتضيف: «أظهرت نفسي بأنني مُتّ خوفاً من قتلي أو الدوس على جسدي، ولكن الله قدّر لي النجاة، بينما أصاب بنات خالي ما خشيته، حيث داست الدبابات على أجسادهن».
وتبيّن أن جميع مَن كانوا في المنزل، استشهدوا ولا يزالون تحت الأنقاض، «وكثيراً ما حاولت إخراج جثامين أطفالي لأكرمهم بالدفن، إلا أن نقص المعدات حال دون ذلك».
ومن جهتها، تصف آمنة عوض يوم الـ17 من تشرين الثاني الماضي، بأنه «أسوأ يوم في حياتي».
وتقول، في حديث إلى «الأخبار»: «في تمام الساعة الثالثة والنصف، جلست وأبنائي الخمسة حولي لتناول الغداء في منزل عمي الذي نزحتُ إليه وعائلتي، وإذ بي أستيقظ وأجد نفسي في مستشفى كمال عدوان ولا يوجد على لساني سوى السؤال عن أبنائي الذين فقدتهم باستثناء طفلي محمود، الذي أجبره الاحتلال على النزوح من مستشفى الإندونيسي إلى جنوب القطاع».
وتضيف: «ابنتي ذات الثلاث سنوات لا تزال تحت الردم، وابني، لم أجد جثمانه فقط ووجدت ملابسه، وابناي الآخران تم إخراج جثمانيهما وفي يدهما السندويشة التي أعطيتها لهما».
ويروي رمزي مهاني، بدوره، ما تعرّضت له عائلة عمه أبو إياد من استهداف متكرّر، أباد 21 شخصاً منها ومسحها من السجل المدني؛
إذ يقول، لـ«الأخبار»، إنه تم استهداف منزل عمه في شارع النفق في شهر تشرين الأول الماضي، ما أدى إلى استشهاده و12 فرداً من عائلته التي نزحت بعدها إلى مدرسة الزهراء، ظناً منها أنها ستكون أكثر أماناً هناك، غير أن الطائرات الحربية أعادت الكرة مرة أخرى، واستهدفت الفصل الذي آوت إليه العائلة، فارتقى مَن تبقى منها.
وتعقيباً على ما تقدّم، تقول الأخصائية النفسية والاجتماعية، سمية أبو حية، إن الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلى القضاء على الأسرة الفلسطينية وتدمير النسيج الاجتماعي وتفتيته.
وتضيف: «يحتاج المتبقون من الأسر المبادة إلى سنوات ضوئية ليرمّموا نفسياتهم من عقدتَين: أولاهما: لماذا بقوا على قيد الحياة؟ والثانية أنهم كانوا عاجزين ولم يستطيعوا إنقاذ أحبتهم، خاصة إذا كان الناجي هو رب الأسرة».
وتتابع: «أولئك المكلومون لن نستطيع أن نرى الأثر عليهم ولا نرمّمه إلا بوقف العدوان على الغزيين».
ويؤكد مدير المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، إسماعيل الثوابتة، بدوره، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي أبادت 902 عائلة فلسطينية ومسحتها من السجل المدني «بقتل جميع أفرادها خلال سنة كاملة من الإبادة الجماعية».
ويضيف، في حديث إلى «الأخبار»، أن «جيش الاحتلال الإسرائيلي أباد 1,364 عائلة بقتل جميع أفرادها باستثناء واحد قدّرت له الحياة دوناً عن باقي أفراد أسرته، كما مسح 3,472 أسرة لم يتبقَ منها سوى فردين اثنين في الأسرة الواحدة»، محمّلاً الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأميركية والدول المشاركة في الإبادة الجماعية، المسؤولية الكاملة عن الجرائم ضد الإنسانية وضد القانون الدولي، التي ترتكب بحق المدنيين في غزة.
هداية محمد التتر