
اليمن كجغرافيا مستباحة
حالة انكشاف البلد على التدخلات الخارجية غير مسبوقة، هذه مرحلة مخجلة في التاريخ.
لأول مرَّة، يجد قادة الحكومة الشرعية أنفسهم أمام أحداث ومعارك لا يعرفون عنها شيئا، وإذا سألت أحدهم عن السيناريو التالي: يكتفي بالتحديق في الفراغ.
صحيح أن مليشيا الحوثي جلبت علينا عداء العالم، وصارت مقولة "الطغاة يجلبون الغزاة" حقيقة ماثلة من حقائق الحياة.
لكن للحكومة الشرعية والقيادات السياسية، وبقية النخب مسؤولية أيضا، ثمة فرص عديدة تضيع، مثل كل مرة.
بدأ التحالف انتهاكاته وحربه المنكوسة في جغرافيا البلد، بزعم استعادة الشرعية. أكثر من عشر سنوات، مرت، ولا يزال التحالف يحاول هندسة الجغرافيا بما تتفق مع مصالحه.
لا حقا، جاءت إسرائيل إلينا؛ إسرائيل مرّة واحدة، تصوّروا، من كان يصدِّق؟
الآن، تقود الولايات المتحدة هجمات غير مسبوقة لتدمير ما تبقى من بنى ومنشآت حيوية، وتبرز آمال جزئية بالخلاص من هذه البذرة والجماعة التي جلبت علينا كل هذا الدّمار والعداء.
تشير المعطيات إلى أن الضربات الأمريكية مختلفة، وأنها تستهدف القدرات العسكرية للحوثيين، رغم أنها غير بريئة من سفك دماء اليمنيين، واستهداف مقدراتهم الاقتصادية.
الوقت مبكرا للحكم على نتائجها في ظل التعتيم الحوثي، والتأكيدات الأمريكية على أن العملية محدودة.
كما لا تزال الضربات بحاجة إلى تحرّكات برية، وهي من مهمّة اليمنيين، وقوات الجيش، وليس واشنطن، وهذه غير واضحة المعالم.
ثمة اضطراب شديد في الرؤية الكلية للأحداث؛ بسبب التعقيد الذي صنعته سنوات من المؤامرات والتخاذل عن مواجهة جماعة، تؤكد كل المؤشرات أنها غير قابلة للحياة أو التعايش معها في الداخل والخارج -على حدٍ سواء.
حيال هذا الوضع العالق، يشعر اليمنيون بسوء بالغ ومرارة شديدة.
واضح أنه، كلما لاحت فرصة حرب ناجزة أو سلام حقيقي، تتدخل أجندات وأطراف مختلفة، وتبددها إلى مشاريع فوضوية وتدميرية.
بات الكثير لديه قناعة محبطة أنه لن يكون هناك خلاص قريب، مهما بدت مؤشرات التحرّكات العسكرية، والتصريحات الزائفة بشأن المعركة الشاملة.
الكل مُدرك أن المعركة هامشية، ولا تخص اليمنيين البعيدين عن أجنداتها ودهاليزها الدولية والإقليمية.
وسط هذا التعقيد، من أسف القول إن جسد الشرعية الميِّت والمتهالك لازال هو الجدار الآمن والمتبقي للنجاة من كوارث أعظم.
نتأسف لأننا لا نستطيع أن نهضم هذه الحقيقة المؤكدة بمؤشرات واقعية عديدة.
كيف يمكن للمواطن، الذي يرزح تحت جحيم هذه الأوضاع منذ سنوات، الاطمئنان إلى هذه النتيجة؟.
على مواقع التواصل، نرى مسؤولين يتجولون في متنزهات العالم برواتب مغرية.
أي عبارات مناسبة نقدِّمها للناس أن هؤلاء جزء من الشرعية والخلاص؟
إلى ذلك، هناك من يعد الحفاظ على هيكل الشرعية إنجازا يستحق أن نعض عليه بالنواجذ.
الحقيقة الواضحة أن بلدنا أصبح مستباحا بسبب قيادتنا الرَّخوة، وغير الأمينة.
تدركون، طريقة تشكيل مجلس القيادة الرئاسي!!
قبله، ماذا فعلت سياسات هادي المدمِّرة؟ ولا حقا جلب إلينا تحالف السعودية والإمارات.
أما صالح، الذي يحاول أنصاره تصديره كوحش السيادة الوطنية، ففي آخر أيامه، عرض نفسه للبيع، لكنه لم يجد من يشتري، بعد أن باع كل شيء للحوثيين.
في خطاباته الأخيرة، بدت تناقضاته المعلنة مخجلة، وضمن تساؤلاته في مقابلة صحفية، قال: "أين إيران؟ تجي بس والله لأفتح لها عشرين ميناء، وليس ميناء واحدا".
ثمة أيضا نُخب وقيادات سياسية، عديمة النفع والحس، تخيِّم في الرياض وأبو ظبي، وكثيرا ما ورّطها الخليج بتصريحات قاطعة عن قُرب معركة الحسم مع الحوثيين، حتى بدت مثارا للسخرية.
اليوم، بقدر ما تشير التطوّرات إلى تدخلات عنيفة للقوة العظمى في العالم، تلوح في الأفق فرصة ثمينة لاستعادة البلد من سيطرة الحوثيين.
ندرك أن التعقيدات كبيرة، منها ما يتعلق بتشكيلة المجلس القيادي غير الموحَّد، وأخرى تتعلق برغبات السعودية والإمارات المنفصلة، واللتين أضحتا تتقاسمان النفوذ على جغرافيا البلد، وتتصارعان عليه أيضا.
الأهم من بين كل ذلك هو هدف واشنطن المُعلن والواضح، وهو تحييد القدرات العسكرية للحوثيين، ومنع استهدافهم الملاحة الدولية.
لكن مثل هذا الهدف وضعته السعودية قبل نحو عشر سنوات، ولم يمنع من تعاظم قدرات الحوثيين الصاروخية والعسكرية لضرب عُمق إسرائيل، وليس منابع النفط في السعودية والإمارات، فقط.
السؤال: كيف يمكن للشرعية أن تنتهز هذه اللحظة والفرصة، وتحولها إلى تحرّكات وإجراءات ثمينة لاستعادة صنعاء، وزمام المبادرة، ومنع الاستباحة الشاملة للبلد؟
شاكر أحمد خالد
كاتب وصحفي يمني