
لماذا تستثمر الشركات في بناء مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي؟
من المتوقع إنفاق نحو 3 تريليونات دولار من الآن وحتى عام 2029 على مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي حول العالم، وهو "رقم يكاد يصعب تصوره"، و"يعادل تقريباً قيمة الاقتصاد الفرنسي بأكمله لعام 2024"، بحسب تقرير صادر عن موقع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، الثلاثاء.
هذه الأرقام ظهرت في تقدير صادر عن بنك الاستثمار مورغان ستانلي، الذي أشار إلى أن نصف هذا المبلغ سيُخصص لتكاليف البناء، بينما سيُنفق النصف الآخر على العتاد باهظ الثمن الذي يدعم ثورة الذكاء الاصطناعي.
ومن المتوقع أن تشهد بريطانيا وحدها بناء 100 مركز بيانات جديد في السنوات القادمة لتلبية الطلب المتزايد على معالجة الذكاء الاصطناعي.
لكن، ما الذي يميز مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي عن مراكز البيانات التقليدية، التي تحتوي على صفوف من الخوادم لحفظ صورنا الشخصية وحساباتنا على وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات العمل؟ وهل تستحق هذه الطفرة الاستثمارية الهائلة؟
بحسب "بي بي سي"، كانت مراكز البيانات تكبر تدريجياً مع الوقت، حتى ظهرت مواقع ضخمة تُسمى "هايبرسكيل" تحتاج إلى طاقة هائلة.
لكن مع الذكاء الاصطناعي تضاعفت المتطلبات بسرعة، لأنه يعتمد على شرائح "إنفيديا"، التي يصل سعر الخزانة الواحدة منها إلى نحو أربعة ملايين دولار. وهنا يكمن الفارق الجوهري لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي.
تعتمد النماذج اللغوية الضخمة (LLMs) التي تُدرب برمجيات الذكاء الاصطناعي على تقسيم اللغة إلى أصغر الوحدات الممكنة للمعنى.
ولا يمكن تحقيق ذلك إلا عبر شبكة من الحواسيب تعمل بشكل متزامن وفي تقارب شديد. كل متر من المسافة بين شريحتين يضيف نانوثانية (جزء من مليار من الثانية) إلى زمن المعالجة.
وفيما تبدو هذه المدة الزمنية شديدة الضآلة وغير محسوسة للبشر، لكن داخل مستودع مليء بالحواسيب، تتراكم هذه التأخيرات المجهرية وتؤثر في الأداء المطلوب.
وهذا هو الدافع وراء تكديس خزائن المعالجة الخاصة بالذكاء الاصطناعي بجانب بعضها، أي لتقليل التأخير وخلق ما يُسمى بالمعالجة المتوازية، أي العمل عملَ حاسوب عملاق واحد.
لكن اتخاذ هذه الإجراءات في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، يلتهم كميات هائلة من الطاقة، وتؤدي إلى طفرات في معدلات استهلاك الكهرباء.
مخاوف من استهلاك الطاقة والمياه
يمكن تشبيه هذه الطفرات بتشغيل آلاف المنازل الغلايات الكهربائية وإطفائها كل بضع ثوانٍ. يحتاج مثل هذا الطلب غير المنتظم على الشبكات المحلية إلى إدارة دقيقة.
وقال دانيال بيزو من معهد أبتايم لـ"بي بي سي" إن استهلاك مراكز البيانات التقليدية للكهرباء لا يقارن بمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي،
موضحاً أنّ "مراكز البيانات التقليدية مجرد همهمة ثابتة في الخلفية مقارنة بالضغط الذي تسببه مهام الذكاء الاصطناعي على شبكات الطاقة". أضاف: "إنها أحمال هائلة على نطاق واسع لم يحدث من قبل، إنه تحدٍ هندسي هائل أشبه ببرنامج أبولو الفضائي".
يحاول مشغلو مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي مواجهة مشكلة ارتفاع معدلات استهلاك الطاقة بطرق مختلفة. تسعى "إنفيديا" على المدى القصير إلى استخدام توربينات غازية تنتج الطاقة بشكل أكثر استدامة وأقل تكلفة، خارج الشبكة حتى لا تثقل كاهل المستهلكين.
فيما تستثمر "مايكروسوفت" و"غوغل" في الطاقة النووية.
كذلك، تحتاج مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي إلى كميات ضخمة المياه لتبريد الشرائح، وهو ما يجعل شركات التكنولوجيا تحت أنظار المشرعين الذين يراقبون الآثار السلبية لهذه المراكز على البنية التحتية والبيئة.
ففي ولاية فرجينيا الأميركية، يُناقش مشروع قانون يربط الموافقة على بناء مراكز بيانات جديدة بمعدلات استهلاك المياه.
أما في بريطانيا، فقد واجه مشروع بناء مصنع ذكاء اصطناعي في لينكولنشاير الشمالية اعتراضاً من الشركة المسؤولة عن تزويد المنطقة بالمياه، التي رأت أنها غير ملزمة بتوفير مياه للشركات،
واقترحت استخدام مياه معاد تدويرها من مياه الصرف الصحي بدلاً من مياه الشرب.
مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي.. فقاعة أم حقيقة؟
وسط هذه التحديات والتكاليف الهائلة، تُطرح أسئلة عن الجدوى الحقيقية لهذه المراكز، وعمّا إذا كانت مجرد فقاعة اقتصادية.
وقال خبير مراكز البيانات في شركة الاستشارات الاستثمارية، زاهل ليمبوالا، لموقع بي بي سي: "من الصعب تصديق أن المسار الحالي سيستمر.
هناك الكثير من المبالغة، وطفرة الإنفاق الحالية لن تدوم إلى الأبد". في الوقت نفسه، أكد أن "الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير أكبر من أي تكنولوجيا سابقة، بما فيها الإنترنت. لذا، من الممكن أننا سنحتاج بالفعل إلى كل هذه الغيغاواطات".