في خضم الحرب.. نهب الآثار من متاحف السودان وبيعها عبر الانترنت
وصلت تداعيات الحرب المدمّرة في السودان والمتواصلة منذ أكثر من 17 شهراً إلى المتاحف التي تتعرّض للنهب والقطع الأثرية التي تُعرض للبيع على الإنترنت، ما يثير قلقاً لدى الباحثين والمنظمات الدولية.
وحذّرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) أمس الخميس، من أنّ "التهديد للثقافة في السودان وصل إلى مستوى "غير مسبوق" في الأسابيع الأخيرة، خصوصاً في ظل ورود تقارير عن "نهب المتاحف والمواقع التراثية والأثرية والمجموعات الخاصة".
وقالت مديرة المتاحف في الهيئة القومية للآثار، ورئيس لجنة استرداد الآثار السودانية، إخلاص عبد اللطيف، لوكالة (فرانس برس): "نعم تعرّض متحف السودان القومي لعملية نهب كبيرة".
وأضافت أنه "تمّ رصد عبر الأقمار الصناعية خروج شاحنات كبيرة محمّلة بكل القطع الأثرية المخزّنة في المتحف عن طريق أم درمان متجهة نحو الغرب".
وأشارت إلى أنّ "هذه المسروقات تباع في المناطق الحدودية وخصوصاً على الحدود مع جنوب السودان".
وكشفت مصادر أثرية، عن رصد ثلاث شاحنات كبيرة وهي تغادر مبنى المتحف في قلب العاصمة الخرطوم مروراً بمدينة أم درمان وتشق طريقها إلى غرب السودان وصولاً إلى الحدود مع دولة جنوب السودان إذ ظهرت بعض القطع الأثرية معروضة للبيع على الشريط الحدودي وداخل الجارة الجنوبية.
وأكّدت عبد اللطيف في وقت سابق في حديث صحيفة ـ"اندبندنت عربية"، أنّ "عمليات سرقة محتويات المتحف القومي بدأت منذ آب/أغسطس الماضي في إثر اقتحام قوات الدعم السريع المتحف والاستيلاء عليه واستمرار بقائها في هذه المنطقة".
ولم يتبين بعد حجم المسروقات أو قيمتها لصعوبة وصول المسؤولين إلى المتحف الذي يقع في منطقة سيطرة قوات "الدعم السريع"، حيث تقول عبد اللطيف إنّ مخازن المتحف القومي "تعتبر مستودعاً رئيسياً لجميع آثار السودان".
بدوره أكّد مركز بحوث الثقافة والتاريخ والحضارة السودانية، أنّ عمليات النهب والتهريب الواسعة التي طاولت محتويات المتحف القومي في الخرطوم، الذي يقع تحت سيطرة "الدعم السريع" منذ بداية النزاع، جرى تتبع مسارها بواسطة الأقمار الاصطناعية.
وتمّ افتتاح المتحف القومي عام 1971، وهو يقع في العاصمة الخرطوم، ويطل مدخله على ضفة النيل الأزرق، ويضم مقتنيات وقطعاً تؤرّخ لجميع فترات الحضارة السودانية، بدءاً من من العصور الحجرية وحتى الفترة الإسلامية مروراً بالآثار النوبية والمسيحية.
ومن بين الأسباب التي دفعت إلى إنشاء المتحف إنقاذ القطع الأثرية وبقايا بعض المعابد سواء من الحضارة النوبية أو المصرية القديمة من أن تغمر بالمياه في فترة بناء السدّ العالي في أسوان في جنوب مصر.
القطع الأثرية لمتحف السودان القومي تباع عبر الانترنت
افتتح متحف السودان القومي أكبر متاحف البلاد لأول مرة في عام 1904، ثم أعيد افتتاحه مرة أخرى بمقره الحالي على شارع النيل في الخرطوم في عام 1971، وجمع المتحف قطعاً ومقتنيات أثرية تمثل جميع فترات الحضارة السودانية منذ ما قبل التاريخ والعصور الحجرية وحتى الفترة الإسلامية.
ويحتوي المتحف القومي على مجموعات أثرية تشمل تماثيل حجرية، ومقتنيات جلدية وبرونزية وحديدية وخشبية ولوحات جدارية وأسلحة ومنحوتات، وأواني وأدوات زينة وغيرها، تمثل فترات الحضارة السودانية المختلفة منذ العصور الحجرية وما قبل التاريخ.
خلال الأيام الماضية، تداول العديد من السودانيين على منصات التواصل الاجتماعي إعلاناً نقلاً عن موقع التجارة الإلكترونية "إي باي" لبيع قطعة تضم ثلاثة تماثيل على قاعدة واحدة (رجل وإمرأة وطفل) وكُتب عليها أنها من القطع الأثرية المصرية القديمة معروضة للبيع بسعر 280 دولاراً.
وندّد هؤلاء ببيع تراث السودان عبر الإنترنت، إلّا أنّ أحد خبراء الآثار السودانية أكّد لوكالة (فرانس برس)، وقد طلب عدم ذكر اسمه، أنّ "التمثال المعروض على الانترنت تقليد لقطعة موجودة بالمتحف". إلّا أنه أشار إلى أنّ هناك إعلانات لـ"قطع فخارية وذهبية ولوحات كانت موجودة بالمتحف معروضة للبيع عبر الإنترنت".
وأَضاف: "هناك مخاوف أنه إذا حاول سارقو المتحف تحريك التماثيل الضخمة قد تتعرض للدمار لأنها تحتاج إلى متخصصين".
ودعت منظمة "يونسكو" السودانيين "من الجمهور والوسط الفني في المنطقة والعالم إلى "الامتناع عن الاتجار بالقطع الفنية السودانية".
اقرأ ايضاً: السودان: الإمارات تعتدي على سيادتنا ويجب وقف توريد الأسلحة لـ"الدعم السريع"
وكانت الحكومة السودانية أغلقت في العام 2020، المتحف الوطني القومي لصيانته، وظلّ مغلقاً إلى أن نجحت السلطات مطلع عام 2023 وقبل ثلاثة أشهر من الحرب في نقل تمثال الملك "ترهاقا" من مدخل المتحف إلى داخله، بمساعدة فريق عمل إيطالي متخصّص.
و"ترهاقا" هو خامس ملوك "مملكة كوش". كما كان يطلق على السودان قديماً، وحكمها قبل حوالى 2700 عام. ولكن لم يفتتح المتحف مجدداً بسبب اندلاع المعارك.
وفي حزيران/يونيو، تأكدت "يونسكو"، بحسب بيان لها، "من "تعرّض أكثر من عشرة متاحف ومراكز ثقافية ومؤسسات ذاكرة للنهب والتخريب في السودان"، محذّرةً من "ضياع ذاكرة آلاف السنين من الحضارة والمعرفة والتقاليد الأصلية في البلد".
ولم يتوقّف نهب التراث عند المتحف القومي، حيث ذكرت عبد اللطيف أيضاً أنه "تمّ نهب ممتلكات متحف نيالا في جنوب دارفور ومجموعاته المتحفية وحتى أدوات العرض".
كذلك أشارت إلى سرقة "متحف الخليفة عبد الله التعايشي" في أم درمان، وتدمير أجزاء من مبناه الذي يعود إلى حقبة الدولة المهدية في السودان قبل الاستقلال.
وأرجع الباحث في الآثار السودانية والمدير الأسبق لهيئة الآثار، حسن حسين، سبب السرقات إلى أنه "لا توجد حراسة للمتاحف والآثار السودانية بسبب الحرب".
وأطلق باحثون في الآثار حملة لاسترداد القطع الأثرية السودانية المنهوبة، حيث أكّد حسين أنه يسعى إلى" تسليط الضوء على أزمة سرقة تاريخ السودان" خلال مؤتمر سيعقد في مدينة مونستر الألمانية.
وقال حسين إنّ "أوضاع الآثار السودانية في الوقت الراهن تشغل كل المهتمين بالتراث الإنساني".
واندلعت المعارك في السودان في نيسان/أبريل 2023 بين الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، القائد العام للقوات المسلحة، وقوات "الدعم السريع" بقيادة نائبه السابق، محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، لتنزلق البلاد إلى ما وصفته الأمم المتحدة بـ"واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في الذاكرة الحديثة".