
أوروبا تحترق وغذاء العرب مهدد
أوروبا تحترق بسبب موجات الحر والجفاف العنيفة، وهناك قتلى وحرائق بالجملة في عدة دول منها فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وتركيا، وإغلاق مفاعل نووي داخل القارة، واندلاع حرائق غابات، وهبوب عواصف عاتية مع ارتفاع درجات الحرارة لمستويات قياسية،
وسجلت إسبانيا خلال يونيو/ حزيران درجة الحرارة الأعلى في تاريخها هذا العام، كذلك سجلت فرنسا الشهر الماضي درجة الحرارة الأعلى منذ عام 2003.
الجفاف لا يقتصر على أوروبا، بل يصيب معظم دول العالم، ومنها دول كبرى منتجة للغذاء، مثل الصين التي قد ينخفض إنتاج القمح بنسبة تصل إلى 5% هذا العام، ليصل إلى أدنى مستوى له منذ عام 2018، بعد أن ضرب الجفاف مناطق زراعة رئيسية في الدولة التي تتصدر دول العالم في إنتاج القمح.
والمتضرر الأول هنا من حالة الجفاف تلك هو الدول العربية التي تعتمد على الخارج في تموين أسواقها بالأغذية الاستراتيجية، ومنها القمح والأرز والشعير والذرة، وتتجاوز قيمة وارداتها السنوية من الأغذية 100 مليار دولار.
لا يتوقف خطر الجفاف عند حدود أوروبا والصين، وهما المنتجان الرئيسيان للأغذية في العالم، إلى جانب الولايات المتحدة، بل امتد إلى الدول العربية نفسها،
حيث اتسعت رقعة الجفاف والتصحر داخل دول عربية مستوردة أصلاً للأغذية، منها سورية والمغرب وتونس والجزائر واليمن والعراق والأردن والسودان. وتحول الجفاف إلى "قاتل صامت" لصناعة الأغذية العربية ولنشاط الزراعة والثروة الحيوانية.
سورية مثلاً تشهد هذه الأيام أسوأ موجة جفاف في 40 عاماً ارهقت قطاع الزراعة الحيوي، خصوصاً في محافظات الجنوب، درعا والسويداء والقنيطرة.
وفي المغرب تثقل درجات الحرارة المرتفعة المزارعين، وخصوصاً منتجي الخضر والفواكه ومربي الدواجن، وهي الحالة التي عانت منها المملكة طوال السنوات الماضية، حيث جفاف قاسٍ هوى بمحاصيل الحبوب، ودفع الدولة إلى تكثيف الاستيراد لتغطية احتياجات الأسواق المحلية.
ويهدّد الجفاف نحو 19 مليون هكتار من الأراضي في السودان، وتحديداً في كردفان ودارفور والولايات الشمالية، ما ينذر بتفاقم خطر المجاعة وشح المياه.
كذلك تشكل الحرب المستعلة منذ فجر 15 أبريل/نيسان 2023تهديداً مباشراً للأمن الغذائي في الدولة التي راهن عليها الكثير في أن تكون سلة غذاء العرب، ثم تحولت إلى مستورد للغذاء.
وتعاني تونس من أزمة جفاف غير مسبوقة أثرت بشدة في الزراعة والأودية والبحيرات، وأدت إلى تراجع إنتاج المحاصيل ونفوق الأسماك ونقص الثروة الحيوانية، خصوصاً في محافظات الشمال مثل جندوبة وباجة.
حتى اليمن الذي يشهد صراعاً عسكرياً زاد على عقد من الزمان، شهد جفافاً واسع النطاق ودرجات حرارة أعلى من المعدل الطبيعي، مع هطول أمطار محلية محدودة في المرتفعات، وبقيت مناطق الشرق والساحل جافة،
ولذا وجدنا تحذيراً صدر عن الأمم المتحدة قبل أيام، من تدهور واسع في الأوضاع الزراعية، نتيجة استمرار الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، ما يُنذر بتداعيات خطيرة على الأمن الغذائي وسبل العيش الزراعية في الدولة القائمة على مساعدات غذائية.
حتى الدول العربية التي أفلتت من الجفاف والتصحر، نجدها تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة ناجمة عن تغير المناخ، وتراجع في معدلات الأمطار هذا العام إلى أدنى مستوياتها، وزيادة كلفة المستلزمات الزراعية،
وهو ما يهدد المحاصيل الزراعية، وأبرزها القمح، وسلاسل إمداد الغذاء، ويشكل خطراً على الأمن الغذائي العربي وموارد المياه التي باتت شحيحة من الأصل.
حتى وقت قريب، كانت التوقعات تشير إلى تراجع أسعار القمح العالمية بنحو 17 دولاراً للبوشل الواحد، خلال الموسم الجديد 2025-2026، بسبب وفرة الحصاد في الأسواق المنتجة الكبيرة مثل الصين وفرنسا وأوكرانيا والهند وروسيا، وتحسن الحصاد في دول الاتحاد الأوروبي،
لكن اتساع دائرة الجفاف عالمياً، وتراجع إنتاج القمح الأميركي، وتفاقم القلاقل الأمنية قد تغير من مسار تلك التوقعات، وهنا يكون المتضرر الأكبر المواطن العربي الذي يتحمل وحده كلفة أي زيادة في الأسعار.