
المضايق المائية.. قنابل موقوتة في مفاصل العالم
في خضم التصعيد العسكري غير المسبوق بين "إسرائيل" وإيران، عاد مضيق هرمز إلى واجهة الأحداث، بعدما أعلن العميد إسماعيل كوثري، عضو البرلمان الإيراني، أن طهران تدرس بجدية خيار إغلاق المضيق الحيوي.
وهذه الخطوة، إذا ما نُفذت، قد تشعل فتيل أزمة طاقة عالمية، وتدفع المنطقة نحو صراع واسع النطاق، بالنظر إلى أن المضيق يمثل شرياناً استراتيجياً لإمدادات النفط والغاز من الخليج إلى الأسواق الدولية.
وإغلاق مضيق هرمز سيؤثر فوراً على حركة شحن النفط والغاز، إذ تمر عبره نحو ثلث تجارة النفط العالمية وأكثر من 20% من صادرات الغاز الطبيعي المسال.
وهذا من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاعات قياسية في أسعار الطاقة، اضطراب في أسواق المال، وتفاقم أزمة اقتصادية عالمية، خصوصاً مع انعدام البدائل السريعة لنقل الكميات الضخمة من الطاقة عبر ممرات أخرى. كما قد يدفع ذلك القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إلى تدخل عسكري لضمان حرية الملاحة الدولية.
ويقع مضيق هرمز عند مصب الخليج العربي، بطول يقارب 161 كيلومتراً وعرض لا يتجاوز 21 كيلومتراً في أضيق نقاطه، ما يجعله نقطة اختناق طبيعية يسهل استهدافها عسكرياً سواء بالألغام أو بالصواريخ.
وتمنح الجغرافيا إيران ميزة التحكم في المضيق عبر سواحلها المطلة عليه، وهو ما يزيد من تعقيد المواجهة العسكرية الحالية مع "إسرائيل".
ولا يقتصر الدور الجيوسياسي الحساس على مضيق هرمز وحده، بل يشمل مضائق مائية أخرى تشكل نقاط ارتكاز في حركة التجارة والطاقة العالمية، من بينها مضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن، ويمثل ممراً أساسياً للسفن المتجهة إلى قناة السويس.
كما يُعتبر مضيق ملقا بين ماليزيا وإندونيسيا أحد أكثر الممرات البحرية ازدحاماً، ينقل القسم الأكبر من تجارة آسيا، وإغلاق أو تهديد أي من هذه الممرات يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي وعلى استقرار أسواق الطاقة والغذاء.
وفي جولة على أهمّ المضايق في العالم ودورها في حركة النفط العالمية، وكيف يتم تصنيف مياه المضايق؛ بين مياه إقليمية أو دولية، وأبرز النزاعات التي تهدِّد بعضها.

يفصل مضيق باب المندب البحر الأحمر عن خليج عدن والمحيط الهندي، كما يفصل قارتي أفريقيا وآسيا، وتحدّه من الجانب الأفريقي جيبوتي، ومن الجانب الآسيوي اليمن.
ويتمتع المضيق بأهمية استراتيجية واقتصادية وعسكرية، جعلته ساحة للصراعات الإقليمية والدولية، وقد عملت القوى المتنافسة على تعزيز نفوذها فيه بإنشاء قواعد عسكرية بالجزر والدول المشاطئة، واستغلال التحكم في المضيق وإغلاقه بوجه الخصوم عند الحاجة، فأصبح ورقة رابحة في الحروب والنزاعات.
وتعتبر الطبيعة الجغرافية للمضيق إحدى نقاط الضعف فيه، بحيث تجعل استهداف السفن التي تمرّ فيه سهلاً، حيث لا يتجاوز عرضه 20 كيلومتراً، في ممرّ يربط البحر الأحمر ببحر العرب، والمضيق ممرّ رئيسي يؤدّي إلى قناة السويس، التي يمرّ منها 12% من حجم التجارة العالميَّة.
تعود أصول تسمية "باب المندب" إلى اللفظ العربي "الندب" ويعني البكاء على الموتى، فالمراد به "باب الدموع". وقد ذكروا أسباباً لهذه التسمية، منها: الدموع التي سكبتها اليمنيات على البحارة الذين فقدوا في أثناء عبورهم المضيق.
كما قيل إن التسمية جاءت لندب الأفريقيات أولادهن وبناتهن الذين كانوا يُؤخذون عبيداً وسبايا إلى الجزيرة العربية عبر المضيق، إبّان غزوات القبائل العربية لأفريقيا.
وتذكر إحدى الأساطير أن سبب التسمية يعود إلى ندب الموتى الذين غرقوا في البحر، بسبب هزة أرضية فصلت بين قارتي آسيا وأفريقيا.
وبحسب وكالة إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، يمر عبر "باب المندب" نحو 6.2 ملايين برميل يومياً من النفط الخام والمكثفات والمنتجات البترولية المكررة باتجاه أوروبا والولايات المتحدة، وإلى الأسواق الآسيوية مثل سنغافورة والصين والهند، وذلك بما يعادل نحو 9% من إجمالي مصادر الطاقة المنقولة بحراً حول العالم.

يعدّ مضيق هرمز، الذي يقع بين سلطنة عُمان وإيران، والذي يربط الخليج العربي ببحر العرب، أحد أهم الممرات المائية الاستراتيجية في العالم، ويبلغ عرضه 60 كيلومتراً.
يُعتبر المضيق ورقة قوة لدى إيران؛ لكون قرابة 17 مليون برميل من النفط الخام تمرّ منه يومياً، وفق أرقام منظمة البلدان المصدِّرة للنفط "أوبك"، وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
وسبق أن هددت إيران خلال السنوات الماضية، بإغلاق المضيق ردّاً على العقوبات الأمريكية، وهو ما يعني منع تصدير كمّيات هائلة من النفط الخام للعالم، والتسبب بأزمة وارتفاع أسعار النفط.
وتاريخياً لم يستطع المضيق الإفلات من أطماع وصراعات الدول الكبرى للسيطرة عليه؛ فمنذ القرن السابع قبل الميلاد وهو يؤدي دوراً دولياً وإقليمياً هاماً، أسهم في التجارة الدولية.
وقد خضع للاحتلال البرتغالي، ثم لسائر الدول الأوروبية، خصوصاً بريطانيا، لتنتشر الشركات الغربية المتنافسة، ويتراجع الأمن مع غزوات القراصنة.
وكانت بريطانيا تعتبر المضيق مفترق طرق استراتيجية، وطريقاً رئيسياً إلى الهند.

هو رأس من اليابسة في القارة الأفريقية، بالقرب من كيب تاون، يمتد في المحيط الأطلسي، ويُشبه في شكله الرأس المحدب، وكانت تمر منه السفن التجارية المتوجهة من آسيا وإليها.
تكمن أهمية رأس الرجاء الصالح في كونه بديلاً عن قناة السويس وباب المندب، كحلقة وصل بين الشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا، ولكن استخدامه يُضيف إلى مدة الرحلة من الشرق الأوسط إلى أوروبا نحو 15 يوماً إضافياً، ونحو 8-10 أيام، مدة العبور إلى الولايات المتحدة.
وهذا الخيار كان يكلف الناقلات كثيراً من الوقت والمال، لولا انخفاض أسعار الوقود العالمية، الذي جعل من الأوفر لبعض السفن اتخاذ رأس الرجاء الصالح بديلاً من قناة السويس، ولكن يلزمها التضحية بالوقت المضاف لرحلتها، ونقص بعض الخدمات التي قد توفّرها.

قناة السويس هي ممر مائي صناعي بين مدينة بورسعيد المصرية على البحر الأبيض المتوسط، ومدينة السويس على البحر الأحمر، وتُقسم القناة إلى قسمين، شمال وجنوب البحيرات المُرّة.
تسمح القناة بعبور السفن القادمة من دول المتوسط وأوروبا وأمريكا للوصول إلى آسيا دون سلوك الطريق الطويل؛ طريق رأس الرجاء الصالح. وتُعتبر القناة حالياً أهمّ مجرى ملاحي بالعالم؛ حيث تتحكم في 40% من حركة السفن والحاويات في العالم.
وتعطَّلت القناة لمدة عام، وأثَّرت في حركة الملاحة العالمية في عام 1967، في أثناء العدوان الثلاثي؛ لكونها شرياناً رئيسياً للتجارة العالمية، ومن ضمنها تجارة الوقود.
وفي عام 2021 تسبب جنوح سفينة بالقناة، يبلغ طولها 400 متر، لمدة أسبوع، في خسارة للتجارة العالمية بلغت نحو 7 مليارات جنيه إسترليني يومياً، في حين بلغت خسائر هيئة قناة السويس 10.9 ملايين جنيه يومياً.

يقع مضيق جبل طارق البحري بين شبه جزيرة إيبيريا شمالاً وشمال أفريقيا جنوباً، ويصل بين مياه البحر الأبيض المتوسط ومياه المحيط الأطلسي. يحدّ المدخل الغربي للمضيق كلٌّ من رأس سبارتيل (المغرب)، ورأس الطرف الأغرّ (إسبانيا).
يُشرف على المضيق كلٌّ من المغرب وإسبانيا، ومنطقة الحكم الذاتي جبل طارق البريطانية.
وتأتي أهمية هذا المضيق من كونه ممرّاً لعدد من الأساطيل البحرية التابعة لفرنسا وألمانيا وإيطاليا، الموجودة في منطقة جبل طارق، واستخدامه كقاعدة بحرية.
كما تعبر يومياً 250 سفينة وناقلة شحن عملاقة، أي ما يُقارب سدس التجارة العالمية، و5% من تجارة النفط العالميّة.

قناة بنما هي ممر مائي يصل بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، وتُعد هذه القناة من أعظم الإنجازات الهندسية في العالم؛ حيث أسهمت في تقصير مسافة رحلة السفن بين مدينة نيويورك وسان فرانسيسكو من 20.900 كم إلى أقلّ من 8.370 كم.
وخضعت منطقة القناة للولايات المتحدة الأمريكية بموجب اتفاقية بدأت من سنة 1978، وكانت أحد أهم الأسباب التي أسهمت في تعزيز قوة أمريكا العسكرية، وانتهت سنة 1999.
وبعد نحو 85 عاماً من السيطرة الأمريكية على إدارة بنما، انتقلت إدارتها إلى لجنة مشتركة أمريكية-بنمية عام 1979، ثم تسلمت بنما إدارتها نهائياً، في 31 ديسمبر 1999.
وشكلت القناة سبباً رئيسياً لتوتر العلاقات بين بنما والولايات المتحدة؛ بسبب الخلاف حول السيادة والتحكم في مراقبة القناة والمنطقة المحيطة بها، حيث قام سكان بنما عام 1964 باحتجاجات عنيفة، بسبب منع رفع علمهم قرب العلم الأمريكي بمنطقة القناة. ودفع ذلك بنما حينها إلى قطع علاقاتها مؤقتاً مع أمريكا.

البوسفور أو مضيق إسطنبول، يصل بين البحر الأسود وبحر مرمرة، ويلتقي مع مضيق الدردنيل، ليقسم بذلك تركيا إلى قسمين؛ أوروبي وآسيوي.
ويبلغ طوله 30 كم، ويتراوح عرضه بين (550 متراً و3000 متر)، وحسب المعتقدات اليونانية القديمة فإن تسمية المضيق تعني ممر البقرة.
مياه مضيق البوسفور مصنفة ضمن مجال الملاحة الدولية، وتُعتبر حركة السفن بالمضيق واحدة من أهم نقاط الملاحة البحرية في العالم.
تخترق المضيق تيارات مائية خطيرة، وضيقه في بعض المناطق يجعل الملاحة صعبة، وقد وقع عديد من الحوادث الخطيرة؛ كحادث تصادم سفينتين محمَّلتين بالبترول في 13 مارس 1994، ما أدى إلى وفاة 25 بحاراً، وفي 15 يوليو 2005 غرقت باخرة بنمية بالمضيق في ظروف غامضة.
ويقطع هذا المضيق 3 جسور؛ هي جسر البوسفور (جسر شهداء 15 تموز)، وجسر السلطان محمد الفاتح، وجسر السلطان سليم الأو