أميركا تتحدّى العالم: لا لوقف الإبادة في غزة
الرأي الثالث - وكالات
كما كان متوقعاً، استخدمت الولايات المتحدة، أمس، منفردةً، وللمرة الخامسة، حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، ضد مشروع قرار يطالب بوقف «فوري وغير مشروط ودائم» لإطلاق النار في غزة، وانسحاب القوات الإسرائيلية، بشكل كامل، من القطاع.
جاء ذلك على الرغم من أنّ واشنطن «قاتلت» طوال الفترة الماضية، ليكون المشروع على «قياس» حليفتها إسرائيل، مجبرةً الدول العشر المنتخبة في المجلس، على تغيير «لهجة» المسوّدة، أكثر من مرة، قبل طرحها للتصويت.
وإذ وجدت الدول المشار إليها نفسها مضطرّة إلى النزول عند بعض مطالب واشنطن، تخوفاً من أن تلجأ الأخيرة، مرة جديدة، إلى حق النقض لإسقاط القرار، فإنّ ما تقدّم لم يثنِ الولايات المتحدة، على ما يبدو، عن اتخاذ تلك الخطوة، فيما صوّتت بقية الدول الـ 14 لمصلحة المشروع.
وقوبل «الفيتو» الأميركي بردّ فعل عنيف من كل من الصين وروسيا و«حماس»، إذ دانت الأخيرة، في بيان، استخدام واشنطن لحق النقض، معتبرةً أنّ الولايات المتحدة تُثبت، مرة جديدة، أنّها «شريك مباشر في العدوان على شعبنا ومسؤولة عن حرب الإبادة»، وأنّ فعل النقض الأحدث هو «موقف عدائي يلغي إرادة المجتمع الدولي، ويعطي الغطاء لاستمرار حرب الإبادة والتطهير العرقي».
ورأت «حركة الجهاد الإسلامي»، بدورها، أنّ خطوة واشنطن تؤكد أنها هي من «يدير حرب الإبادة بحق شعبنا».
أما دولياً، فرأى مندوب الصين في مجلس الأمن أنّ الولايات المتحدة دمرت، بموقفها، «آمال أهالي غزة، فيما التاريخ لن ينسى كل ذلك»، بعدما «انتهكت إسرائيل كل الخطوط الحمر في القانون الدولي».
وأردف المسؤول الصيني أنّ «الفيتو» الأميركي جاء على الرغم من أنّ 44 ألف شخص قتلوا في غزة. كما اتهم الولايات المتحدة بتزويد إسرائيل بالأسلحة، والبحث دائماً عن «مبررات لها»، على الرغم من اقتراب غزة من حافة المجاعة.
وفي الاتجاه نفسه، لفت المندوب الروسي في المجلس إلى أنّ الولايات المتحدة «أوضحت، اليوم، أنها مسؤولة عن قتل عشرات المدنيين في غزة».
وبحسب موقع «الأمم المتحدة» الإلكتروني، فإنّ أولى ملامح القرار المشار إليه بدأت تظهر منذ منتصف الشهر الماضي، وتحديداً خلال المشاورات المغلقة التي انعقدت في 16 تشرين الأول، بشأن «الوضع في الشرق الأوسط»، بعدما طلبت الجزائر من غيانا، بصفتها منسق مجموعة الدول العشر الأوروبية لشهر تشرين الثاني، أن تُطلق مشاورات حول مسودة قرار جديدة حول الحرب في غزة.
وعليه، وبالتشاور مع جميع أعضاء المجلس، تمّ التوصل إلى مسودة متكاملة، شكلت أساس القرار الذي صوّت عليه المجلس أمس.
على أنّه بناءً على طلب من الولايات المتحدة وفرنسا واليابان، عُقدت، أول من أمس، مشاورات مغلقة جديدة لمناقشة المشروع، طالبت فيها الدول المشار إليها بـ«مشاركة أوسع في نصّه»، قبل التصويت عليه في اليوم التالي.
وبطبيعة الحال، اعترضت واشنطن على مجموعة من التفاصيل التي تضمّنها النص، على رأسها وقف إطلاق النار «غير المشروط والدائم»، مطالبةً بجعله مشروطاً بإطلاق جميع الأسرى المحتجزين لدى «حماس».
وعلى الرغم من أنّ مشروع القرار جاء على ذكر «الرهائن» في الفقرة التالية مباشرة، فإنّ الولايات المتحدة لم تكتفِ بذلك، مطالبةً بدمج الأمرين في جملة واحدة وواضحة. وهو ما رفضته، على
ما يبدو، الدول العشر، التي اكتفت، خلال مشاورات الثلاثاء، باقتراح إدخال عبارة وبـ«التوازي مع إطلاق سراح الرهائن»، إلى الجملة المُطالبة بوقف إطلاق النار غير المشروط، اعتباراً منها أنّه لا يمكن فرض أي شروط على مطلب إنهاء القتال، نظراً إلى الأوضاع الصعبة في القطاع.
إلى ذلك، تطرّق القرار إلى قضية «الرهائن» الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين في مقطعين منفصلين، نزولاً، على الأرجح، عند مطلب أميركي آخر، يدعو إلى «عدم المساواة بين الجانبين»، من خلال تناولهم في الفقرة نفسها.
وفي أعقاب التصويت، قال روبرت وود، نائب المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة : «كما أوضحنا طوال المفاوضات، لا نستطيع دعم وقف إطلاق النار غير المشروط، الذي لا يؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن»،
لافتاً إلى أنّ مثل ذلك القرار سيبعث بـ«رسالة خطيرة إلى (حماس)، مفادها أنّه ما من داعٍ للجلوس إلى طاولة المفاوضات».
أمّا «المكسب» الأميركي الأكبر، فكان نجاح واشنطن في إجبار سائر الدول على إزالة النقطة المتعلقة بـ«الفصل السابع» من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تشير إلى أنّ «الوضع في قطاع غزة والتصعيد الإقليمي يشكلان تهديداً للسلم والأمن الدوليَين»،
علماً أن الفصل السابع يسمح لـ«مجلس الأمن الدولي» باتخاذ الإجراء الجماعي الذي يراه مناسباً، بما في ذلك «استخدام القوة».
وفي أعقاب رفض واشنطن استعمال تلك «اللغة» في مسوّدة القرار، استبدلتها الدول العشر بعبارة تتحدث عن «المسؤولية الرئيسيّة للمجلس في ما يتعلّق بدعم السلام والأمن الدوليين»، بناءً على «اقتراح» بريطاني، وهو ما رفضته واشنطن أيضاً.
وبدا واضحاً، منذ وقت مبكر، أنّ الولايات المتحدة ستضع أيّ مشروع قانون يطرحه المجلس في خانة «المعادي» لإسرائيل، إذ زعم السيناتور جيم ريش (جمهوري من ولاية أيداهو)، العضو في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، في منشور عبر «إكس»، الإثنين، أنّ «التقارير التي تفيد بأنه سيتم النظر قريباً في قرار آخر مناهض لإسرائيل في مجلس الأمن الدولي،
مثيرة للقلق»، مشيراً إلى أنّه «إذا كانت تلك المعلومات صحيحة، فيجب على إدارة جو بايدن الإعلان عن نيتها استخدام حق النقض ضد هذا الجهد المعادي للسامية بشكل واضح. هذا مثال آخر إلى أنّ نظام الأمم المتحدة معطّل، وبحاجة إلى إصلاح شامل».