أميركا العجوز ونحن
الكثير من المؤشرات تشير إلى ان إدارة ترامب تمتلك رؤية واضحة لمعالجة المشكلات الداخلية ( الحدود + الاقتصاد + قيم الاسرة والمجتمع… الخ ) لكنها تفتقر لاي رؤية واضحة لتعامل مع الأمور والأزمات الخارجية المستفحلة ، لذلك المتوقع احد امرين هما :
اما الاستمرار في نفس السياسة الخارجية القائمة المتعثرة ، او الانغلاق والانكفاء على الذات والتركيز على الشأن الداخلي .
من الواضح ان السياسة الأمريكية الخارجية الخاطئة تجاوزة مرحلة امكانية الاصلاح ولم تصل إلى مرحلة القدرة على التغيير ، لذلك المرجح الانغلاق والانكفاء على الذات ولو بشكل مؤقت .
أميركا العجوز ونحن (٢) .
هزيمة أمريكا في اليمن أمر قابل للتحقيق بل هو المرجح حدوثه فعلاً ،الموضوع لايتعلق بإمكانات وقدرات صنعاء فقط ،بل بمجموع العوامل والتوازنات التي ترسم صورة العالم الجديد المتعدد الذي يتشكل في مواجهة تراكم أخطاء وقصور وإخفاقات جوهرية في عمق الفكر والإدارة السياسية الأميركية عبر عقود .
بكلمة أخرى ،أمريكا العجوز تلعب في ملاعب فرق شبابية صاعدة لذلك النتائج محسومة ويمكن المراهنة عليها بأريحية .
أمريكا العجوز ونحن (٣)
( أفغانستان كنموذج ، قشة قسمت ظهر بعيرين )
عندما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في العام ٢٠٠١م عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر نيتها غزو أفغانستان سخر منها قائد القوات السوفييتية المنسحبة السابق ( الكولونيل بوريس غروموف ) معلقاً على ذلك بأن أمريكا ستجد نفسها في وحل استنزاف ثم ستهزم وتفر من أفغانستان،
تعجب المذيع من قوله ،قائلاً : لكن أمريكا تملك أسلحة فتاكة وتكنولوجيا متطورة؟!
فرد عليه : " كنا نملك أسلحة أشد فتكاً وتكنولوجيا أيضاً ،لكن لم تكن هنالك أهداف لندمرها حيث كنا نلقي قنابل تحمل مئات الكيلوغرامات من المتفجرات قيمتها مئات الآلاف وربما ملايين الدولارات على جبال قاحلة في مطاردة صبي يحمل بندقية ، كان احتلالنا لكل شبر مكلف للغاية والبقاء فيه أكثر كلفة ، ومع مرور الأيام اكتشفنا أن الثقافة والموروث ومصدر العيش الوحيد لدى سكان تلك البلاد هو حمل السلاح سواء في مواجهتنا أو في مواجهة بعضهم بعضاً ،وأن هذه الثقافة وهذا الموروث لايمكننا تغييره ، واكتشفنا كذلك إهدارنا الكثير من الإمكانيات والوقت في أمر فاشل على حساب أمور ذات أولوية وأكثر أهمية سياسياً واقتصادياً ولا يمكن تعويضها ساهمت في إضعاف الاتحاد السوفييتي السابق أمام منافسيه ، لكن اكتشفنا ذلك متأخراً ،وهذا بالضبط ماسيكتشفه الأمريكان متأخراً أيضاً ".
عند الحديث عن ترجيح هزيمة أمريكا في اليمن لايستند ذلك الترجيح على موازين القوة العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية ولا على الكم والنوع ،فميزان القوة دون أدنى شك وفقاً لتلك المعايير يميل كل الميل لصالح أمريكا ،لكن بالمقابل في حسابات الأولويات ،فاليمن بالنسبة لأمريكا قد تصبح عائقاً وعقبة كؤود أمامها في مرحلة تنافس شديدة مع قوى صاعدة ضمن مشروع ( تعدد الأقطاب ) الذي يشكل تحدياً حقيقياً لها ذي أولوية قصوى ،كما أنه لاهدف ولاجدوى ولا طائل لها من غزو اليمن أو الدخول معه في صراع محصلته النهاية وفي أحسن الأحوال لن تختلف كثيراً عن إهدار أكثر من عشرين عاماً في أفغانستان لم تعد أمريكا قادرة لاشعبياً ولا رسمياً على تكراره .
مانريد قوله هو أن أي حرب شاملة مع اليمن بالتأكيد ستؤثر على أولويات أمريكا سواء في الإصلاحات الداخلية أو في التنافس مع الصين وروسيا واحتوائهما أو في ترتيباتها في عموم منطقة الشرق الأوسط ،وهذا ما لايمكن لأمريكا تحمله على الأقل خلال الوقت الراهن وعلى المدى المنظور ، وهنا بالضبط تنقلب موازين القوة لصالح اليمن في المواجهة الحالية .
أمريكا العجوز ونحن (٤)
( معايير ترامب )
أحد أهم أسلحة صنعاء في مواجهة أمريكا ،هو أنها لاتملك شيئاً يمكن أن تخسره في مقابل أمريكا التي لديها كل شيء يمكن أن تخسره .
بكلمة أخرى وبلغة حسابات ترامب ، حساب الخسائر بين الطرفين هو مليون دولار امريكي مقابل كل ريال يمني وقس على ذلك .
أميركا العجوز ونحن (٥)
( من يضحك أخيراً ……..)
أفضل سلاح أمريكي بل السلاح الوحيد لمواجهة اليمن هو الحفاظ عليه مقسماً وضعيفاً ،أي التمسك باتفاقات صنعاء - الرياض ( الهدنة ) وجعلها حلاً دائماً ،وهذا ماتفعله بالضبط حتى قبل عملية إسناد اليمن لغزة .
في المقابل ،تستطيع صنعاء مواجهة أمريكا واستنزافها بل وإخراج وجودها "العسكري" من جغرافية اليمن وستجد تضامناً واسعاً معها من الصين إلى روسيا ومن الرياض إلى طهران فعلاً أو ضمناً ، سراً وعلناً ،إلا أن ذلك التضامن محدود بمواجهة أمريكا واستنزافها وإضعاف قبضتها العسكرية في المنطقة ولا يمتد لمساندة صنعاء لبسط نفوذها على عموم اليمن لتصبح قوة إقليمية لعدم وجود مصلحة للجميع في ذلك بل المصلحة في عكس ذلك ،كما أن طبيعة ونوع قوتها التي تواجه بها أمريكا تصبح غير ذي قيمة في مواجهة الأطراف الداخلية .
تبقى إشكالية اليمنيين الدائمة هي عدم معرفتهم مع من يستخدمون السلاح ومتى ،أو مع من يكون الحوار ومتى ، ومتى وكيف تُقطف الثمار السياسية الناتجة عن معاركهم العسكرية ،وأبلغ مثال على ذلك نتائج حرب التسع سنوات مع التحالف السعودي الإماراتي .
لانبالغ إن قلنا أن هزيمة أمريكا عسكرياً في اليمن مضمونة تماماً كما حصل للتحالف السعودي الإماراتي ،ومع ذلك هي من سيستفيد من حصاد المعركة سياسياً وليس المنتصر عسكرياً ( أبو يمن ) كما جرت العادة مراراً وتكراراً .
أ . آزال الجاوي - سياسي وكاتب يمني