عُمان.. وجهة مثالية تنهي معاناة يمنيين من جحيم "غوانتنامو"
لطالما كان سجن "غوانتنامو" رمزاً للمعاناة الإنسانية والانتهاكات الحقوقية التي تعرض لها المعتقلون على مدار سنوات طويلة، حيث أقيم في عام 2002 ليحتجز فيه من يُشتبه في علاقتهم بالإرهاب، بعيداً عن أعين القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان الأساسية.
وفي خضم هذه المعاناة، بدأت بعض الدول تحمل مسؤولية إنسانية عبر استضافة المعتقلين المفرج عنهم بعد سنوات من الاحتجاز دون محاكمات عادلة، بينهم اليمنيون الذين كانوا من أكثر الجنسيات داخل هذا المعتقل، والذين طال بقاؤهم بسبب الحرب والتدهور الأمني في البلد العربي منذ نحو 15 عاماً.
ومن بين تلك الدول التي احتضنت المعتقلين المفرج عنهم من "غوانتنامو" كانت سلطنة عُمان، التي قدمت نموذجاً يحتذى به في الاستجابة الإنسانية، باستقبال مجموعة من المفرج عنهم في إطار جهود إعادة التأهيل ودمجهم في المجتمع.
عُمان ومعتقلون جدد
في إطار جهود تقليل عدد السجناء تمهيداً لإغلاق المعتقل، سلمت الولايات المتحدة 11 يمنياً من معتقلي "غوانتنامو" إلى سلطنة عمان،
حيث أكدت وزارة الدفاع الأمريكية (6 يناير 2024)، أن الخطوة تهدف لدعم استقرار المنطقة، مع بقاء 15 معتقلاً فقط في السجن المثير للجدل.
كما أكدت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" أن هذه الخطوة تأتي في إطار السعي لإغلاق المنشأة نهائياً، في وقتٍ أعربت الولايات المتحدة في بيان عن تقديرها لدور سلطنة عمان والشركاء الدوليين في دعم الجهود الرامية إلى تقليل أعداد المعتقلين بشكل مسؤول.
وأضاف البيان أن "هذه الخطوة تأتي بعد أسبوع فقط من نقل معتقل تونسي إلى بلاده".
وأوضحت وزارة الدفاع الأمريكية أن عدد المعتقلين المتبقين في غوانتنامو انخفض إلى 15، من بينهم ثلاثة مؤهلون للنقل الفوري، وثلاثة آخرون ستتم مراجعة ملفاتهم للنظر في إمكانية الإفراج عنهم.
بالإضافة إلى ذلك، يواجه سبعة منهم تهماً قضائية، في حين أدين اثنان آخران.
ولم تقدم سلطنة عمان أي معلومات حول استقبال السجناء الـ11، علماً أنها استقبلت في الماضي نحو 30 سجيناً أخرجوا من هذا السجن.
وكانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على وشك نقل المحتجزين الـ11 إلى سلطنة عُمان في أكتوبر 2023، لكنها أوقفت هذه الخطوة فجأة، حسبما ذكرت شبكة "إن بي سي نيوز" الأمريكية حينها.
إيقاف استضافة
لم يكن المعتقلون الجدد هم الأوائل الذين يتم إرسالهم إلى عُمان، فقد سبق ذلك إرسال آخرين، قبل أن تقرر السلطات العُمانية ترحيلهم من أراضيها.
في الـ22 من مايو الماضي، ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن سلطنة عُمان تعتزم طرد 28 يمنياً من معتقلي "غوانتنامو" السابقين وتجريدهم من المزايا والإقامات القانونية، وسيتعين عليهم العودة إلى اليمن خلال أقل من شهرين، وهو ما لم تؤكده مصادر رسمية.
وأوضحت الصحيفة أنه لسنوات عديدة، قررت عُمان استقبال معتقلي السجن العسكري الأمريكي في خليج غوانتنامو، ومنحهم السكن والرعاية الصحية والوظائف،
إضافة إلى مساعدتهم في العثور على زوجات وتكوين أسر، لتعويضهم عما عانوه خلال السنوات التي تعرضوا فيها بالمعتقل للاستجواب التعسفي والاحتجاز دون تهمة.
وأشارت الصحيفة حينها إلى أنه ابتداء من يناير الماضي 2024، بدأ المسؤولون العمانيون في استدعاء هؤلاء الرجال إلى اجتماعات أوضحوا فيها أنه بحلول يوليو سيتم تجريدهم من المزايا والعودة إلى اليمن، قبل أن يتم ترحيلهم فعلياً لكن لم يعرف إلى أي بلد نقلوا.
وكان اليمنيون الـ28 قد نقلتهم إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، إلى عُمان بين عامي 2015 و2017، وسرعان ما أصبح برنامج الدعم الخاص بالسلطنة مثالاً نموذجياً لإعادة التأهيل والمعاملة الإنسانية لمعتقلي "غوانتنامو" السابقين في الخارج.
اختيارات المعتقلين
حول أسباب اختيار عُمان لاستضافة المعتقلين اليمنيين، يقول المحامي عبد الرحمن برمان رئيس المركز الأمريكي للعدالة (غير حكومي مقره ميتشيغان)، إن ذلك يرجع إلى عدة أسباب.
ويوضح بقوله: "الأمر يحدث بعدة إجراءات، يبدأ بموافقة الدول المستضيفة على استضافة عدد من المعتقلين، ثم يسمح لمحامٍ إلى جانب ممثل عن كل بلد يرغب باستضافتهم، بمقابلة المعتقلين وطرح عروض ووعود عليهم، من أجل اختيار البلد الذي يرونه مناسباً لهم".
وأضاف: "خلال الفترة الماضية اختار المعتقلون عدة بلدان، حيث وصل عدد الدول التي تم نقل يمنيين إليها على مستوى العالم 11 دولة، وكانت عُمان الأكثر استقبالاً لهم.
وأكمل: "هذه المرة جميع المعتقلين اليمنيين اختاروا سلطنة عُمان بعد أن سمح لعائلاتهم بالتواصل بهم وإبلاغهم باختيار السلطنة لكونها الأفضل بين البلدان الأخرى، وهو ما حدث حين طلب الجميع الذهاب لها".
ويشير برمان إلى أن السلطنة استضافت المعتقلين السابقين لنحو 5 سنوات، قبل أن تبلغهم في يونيو بإعادتهم إلى اليمن بعد انتهاء استضافتهم، مشيراً إلى أن عُمان كانت قد قدمت لهم "جميع متطلبات الحياة وجمعتهم بعائلاتهم وبعضهم تزوج خلال وجوده بالسلطنة، كما وفرت للعديد منهم أعمالاً خلال فترة بقائهم على أراضيها".
معاناة اليمنيين
ولعل اختيار ترحيل اليمنيين إلى عُمان هذه المرة، قد جاء في إطار عمليات سابقة شملت دولاً أخرى كالسعودية والإمارات والجبل الأسود وصربيا وغيرها.
وجاء نقل المعتقلين اليمنيين بسبب أن البلد العربي دخل في أتون أزمة سياسية منذ العام 2011، تبعتها حرب مدمرة في العام 2015 بين قوات الحكومة المعترف بها دولياً، بدعم من التحالف الذي تقوده السعودية، وجماعة الحوثي، بدعم من إيران، ولا تزال آثارها مستمرة حتى اليوم.
وسبق أن نقل معتقلون يمنيون إلى بلادهم في أكتوبر من العام 2021، حيث نقلت طائرة عسكرية إماراتية 12 معتقلاً سابقاً إلى مطار المكلا بمحافظة حضرموت جنوب اليمن، كانوا ضمن مجموعة من 18 يمنياً وروسي واحد نقلوا من "غوانتنامو" في الفترة من 2015 إلى 2017 إلى الإمارات حيث ظلوا قيد الاحتجاز.
يذكر أن السجن الأمريكي سيئ السمعة قد تأسس في 11 يناير عام 2002 بمنطقة خليج "غوانتنامو" التي استأجرتها الولايات المتحدة لقواتها البحرية عام 1903 من كوبا.
ومنذ ذلك الحين احتجز في السجن المعروف أيضاً باسم "غيتمو"، نحو 780 معتقلاً معظمهم دون تهمة أو محاكمة، ويقال إن كثيرين مروا فيه بأهوال لا توصف.
واعتقلت الولايات المتحدة 112 يمنياً في "غوانتنامو"، وبحلول يناير 2008 أصبحوا أكثر المعتقلين في السجن سيئ السمعة من بين دول العالم، قبل أن يتم ترحيلهم على دفعات إلى عدة بلدان.