الوساطة الروسية بين أميركا وإيران غير مضمونة النتائج
الرأي الثالث - وكالات
فتح التحسن الملحوظ في العلاقات الروسية الأميركية بعد عودة الرئيس دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، الباب على مصراعيه أمام التكهنات حول آفاق التعاون الروسي الأميركي في مختلف الملفات الدولية الشائكة،
خصوصاً مع بروز الوساطة الروسية في الملف النووي الإيراني وإعلان ترامب خلال مقابلة مع قناة فوكس بيزنس بُثت أمس الجمعة، أنه أرسل خطاباً للقيادة الإيرانية أول أمس الخميس، عبّر فيه عن أمله في أن يوافقوا على إجراء محادثات.
وقال ترامب: "قلت إني آمل أن تتفاوضوا، لأن الأمر سيكون أفضل بكثير بالنسبة لإيران". وتابع: "أعتقد أنهم يريدون الحصول على هذه الرسالة. البديل الآخر هو أن نفعل شيئاً، لأنه لا يمكن السماح بامتلاك سلاح نووي آخر".
وجاء إعلان ترامب بعدما كانت وزارة الخارجية الروسية أفادت أمس الجمعة، بأن نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف ناقش مع السفير الإيراني كاظم جلالي الجهود الدولية الرامية لحل الوضع المتعلق بالبرنامج النووي الإيراني.
وأضافت في بيان، أن اجتماعهما عُقد أول من أمس الخميس من دون أي إشارة إلى ما إذا كان تمّ تسليم الرسالة خلال اللقاء.
من جهته، أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في مقابلة مع وكالة فرانس برس، أمس الجمعة، أن بلاده لن تُجري مفاوضات مباشرة بشأن برنامجها النووي مع الولايات المتحدة، ما دام ترامب يواصل سياسة "الضغوط القصوى".
وقال عراقجي، على هامش اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي في جدة: "لن ندخل في أي مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة، ما دامت تنتهج سياسة الضغوط القصوى وتهديداتها".
وأضاف أنه "لا يمكن تدمير البرنامج النووي الإيراني عسكرياً"، عقب تهديد إسرائيلي في هذا الصدد.
وفي وقت اتفق فيه الوفدان الروسي والأميركي في الرياض في فبراير/ شباط الماضي، على عقد مشاورات منفصلة حول إيران، وفق ما أكده حينها معاون الرئيس الروسي يوري أوشاكوف،
ذكرت وكالة بلومبيرغ الأميركية قبل أيام، أن ترامب طلب الوساطة الروسية في المفاوضات مع طهران بشأن برنامجها النووي.
الرد الروسي لم يتأخر، إذ أقر المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، في تصريحات صحافية، الأربعاء الماضي، بأن مفاوضات الوفدين الروسي والأميركي في الرياض تطرقت إلى قضية البرنامج النووي الإيراني "من دون تفاصيل".
وفي معرض إجابته عن سؤال حول ما تداولته "بلومبيرغ" بشأن طلب ترامب الوساطة الروسية في المفاوضات مع طهران، أوضح بيسكوف أن الموقف الروسي يتلخص في "ضرورة تسوية مشكلة الملف النووي الإيراني بأساليب سياسية ودبلوماسية سلمية بحتة"،
مؤكداً أن روسيا مستعدة للقيام بكل ما في وسعها نظراً لكون إيران "حليفها وشريكها".
أيضاً، جرى تناول قضية الاتفاق النووي الإيراني خلال الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى طهران في 25 فبراير الماضي،
إذ أكدت وزارة الخارجية الروسية في ختام الزيارة "العزم على مواصلة البحث عن حلول مرضية للخروج من الوضع الراهن الذي لم تخلقه إيران، وإنما زملاؤنا الغربيون".
كما أفادت وزارة الخارجية الروسية، أمس الجمعة، بأن نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف ناقش مع السفير الإيراني كاظم جلالي الجهود الدولية الرامية لحل الوضع المتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. وأضافت في بيان، أن اجتماعهما عُقد أول من أمس الخميس.
كامران غسانوف: تعد الصين منافساً للولايات المتحدة، وهو ما لا يؤهلها لأن تكون وسيطاً
جهود الوساطة الروسية
في السياق، يعتبر الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، الأستاذ في الجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب كامران غسانوف، أن جهود الوساطة الروسية مرهونة بالدرجة الأولى برغبة واشنطن وطهران في الحوار،
قائلاً "أي جهود وساطة مرهونة بالحد الأدنى من رغبة الطرفين في الحوار، مثلما أنه ما كان للسعودية أن تتوسط بين روسيا والولايات المتحدة لولا استعداد ترامب للحوار مع موسكو.
لم توجه الدعوة إلى موسكو لحضور القمة حول أوكرانيا في جدة في عام 2023 نظراً لانعدام رغبة روسيا نفسها في ذلك حينها في ظل إصرار الغرب على محاربتها عبر البوابة الأوكرانية".
ويجزم غسانوف بأن روسيا هي المرشح الأوفر حظاً لدور الوسيط بين الولايات المتحدة وإيران، مضيفاً: "شاركت روسيا في المفاوضات حول الاتفاق النووي الإيراني،
وكانت أحد الأطراف الموقعة على خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2015. يجمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بين علاقات وطيدة مع إيران وعلاقة شخصية دافئة مع ترامب، ما يعني أن روسيا هي الدولة الأكثر قدرة على أداء دور الوساطة في حال أبدى الطرفان الأميركي والإيراني جاهزيتهما للحوار".
ويقلل غسانوف من واقعية نجاح الدول الأخرى في الوساطة في الحالة الأميركية الإيرانية، قائلاً: "ثمة خلافات قائمة بين الرياض وطهران. أما تركيا، فهي عضو في حلف (شمال الأطلسي) ناتو، ما يفقدها حيادها. وتعد الصين منافساً للولايات المتحدة، وهو ما لا يؤهلها لأن تكون وسيطاً. أما الدول الأخرى، فإما معزولة وإما لا تتمتع بالثقل الكافي".
بدوره، يرى رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط، الأستاذ الزائر بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو مراد صادق زاده، هو الآخر أن روسيا هي القوة الدولية الوحيدة المؤهلة للوساطة بين الولايات المتحدة وإيران شريطة استكمال عملية تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين موسكو وواشنطن أولاً.
ويقول صادق زاده، "مع إعادة إطلاق الحوار بين موسكو وواشنطن، يلحظ أن إدارة ترامب تبدي ثقة في الكرملين من جانب، فيما يعزز التوقيع على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران موقع موسكو بصفة وسيط أو ضامن محتمل لاتفاقات قد يتم التوصل إليها من جانب آخر". ويجزم صادق زاده أنه لا منافس لروسيا في الوساطة بين واشنطن وطهران،
مضيفاً: "الدولة الوحيدة التي تتمتع بثقل روسيا نفسه على الساحة الدولية هي الصين، ولكن ترامب يشن حرب التعرفات الجمركية، وهو ما يزيد الفتور في العلاقات مع بكين.
وحتى في حال حصول الوساطة الروسية لن تتم تسوية العلاقات الأميركية الإيرانية على وجه السرعة، لأن المشاريع المماثلة مرهونة بتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين موسكو وواشنطن على نحو كامل أولاً".
خشية من عرقلة إسرائيلية
أما الباحث في مركز الدراسات العربية والإسلامية بمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية غريغوري لوكيانوف، فيحذّر من أن تسعى إسرائيل لعرقلة الوساطة الروسية بين واشنطن وطهران، سعياً منها للإخلال بتوازن إيران داخلياً وإقليمياً.
ويقول لوكيانوف، "لن تدعم إسرائيل أي صفقة من شأنها خفض التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، بل ستبذل قيادتها العسكرية والسياسية قصارى جهودها لمنع التوصل إلى أي اتفاقات، آملة في الإخلال باستقرار الأوضاع الداخلية في إيران لتغيير النظام السياسي القائم في الجمهورية الإسلامية".
ومع ذلك، لا يستبعد لوكيانوف احتمال نجاح الوساطة السعودية بدعم روسي، مضيفاً: "يصنف ترامب الرياض كأحد الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة، والسعودية لا تتمنى مزيداً من التصعيد بين إيران وإسرائيل وقد توظف الأدوات المتوفرة بين أيديها لإقامة نظام جديد للأمن الإقليمي.
في هذا السياق، قد تؤدي روسيا بصفتها راعياً مشاركاً للصفقة المحتملة، دوراً في تعزيز الاتفاقات التي قد يتم التوصل إليها".
يذكر أن خطة العمل الشاملة المشتركة التي تم التوصل إليها قبل عشر سنوات، نصت على تسوية المشكلة النووية الإيرانية ورفع العقوبات المفروضة على طهران.
ورغم المصادقة على الاتفاق بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 لعام 2015، إلا أن ترامب انسحب منه خلال ولايته الأولى (2017 - 2021)، بذريعة أنه لا يلبي المصالح الوطنية الأميركية.
وفي وقت سعت فيه إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن لإعادة إحياء الاتفاق، دفع الوضع في الشرق الأوسط بإيران وإسرائيل إلى حافة نزاع عسكري مفتوح، وسط تهديد تل أبيب بشن ضربات على مواقع نووية إيرانية.