
موسكو تتريث حيال اقتراح الهدنة في أوكرانيا وتنتظر تفاصيل الجانب الأميركي
الرأي الثالث - وكالات
تجنَّب الكرملين تحديد موقف واضح حيال الاقتراح المتعلق بإعلان هدنة مؤقتة في أوكرانيا لمدة شهر، وقال إنه يعول على مناقشة تفاصيل حول مجريات جولة المفاوضات الأميركية - الأوكرانية التي جرت في جدة الثلاثاء، قبل إعطاء تقييم لنتائجها.
وقال الناطق الرئاسي الروسي دميتري بيسكوف إن بلاده تفترض أن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي مايك والتز: «سوف يبلغان موسكو بتفاصيل المفاوضات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا في المملكة العربية السعودية».
وأوضح في إفادته الصحافية اليومية أن موسكو «تنطلق من حقيقة أنه كما قيل (الثلاثاء) في جدة، فإن وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي سوف يطلعان موسكو، عبر قنوات مختلفة في الأيام المقبلة، بتفاصيل المفاوضات التي جرت والتفاهمات التي تم التوصل إليها».
وفي اليوم السابق، جرت مفاوضات بين وفدي أوكرانيا والولايات المتحدة، دعت بعدها الإدارة الأميركية إلى وقف فوري لإطلاق النار.
ونشر مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بياناً مشتركاً بين كييف وواشنطن عقب المحادثات، أشار إلى أن أوكرانيا مستعدة لمقترح الولايات المتحدة بوقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً، يمكن تمديده بموافقة الطرفين.
وتنص الوثيقة أيضاً على أن الولايات المتحدة سترفع على الفور تعليق تبادل المعلومات الاستخباراتية، وسوف تستأنف الإمدادات العسكرية لأوكرانيا.
وعلَّق الرئيس الأميركي دونالد ترمب على نتائج المفاوضات بإشارة إلى أن «كييف مستعدة لوقف إطلاق النار بشكل كامل، والآن تنتظر واشنطن رد فعل موسكو».
وكرر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الأربعاء، أن الولايات المتحدة ستتواصل مع روسيا بشأن توافق توصلت إليه مع أوكرانيا حول هدنة لمدة 30 يوماً وخطوات لإنهاء الحرب.
وأضاف، خلال توقف قصير في آيرلندا بعد محادثات مع أوكرانيا في السعودية: «ننتظر كلنا بترقب الرد الروسي، ونحثهم بقوة على التفكير في إنهاء كل الأعمال القتالية».
وتابع: «إذا قالوا لا فسنضطر إلى دراسة كل شيء، وأن نحدد موقفنا وما هي نياتهم الحقيقية.
أعتقد إذا قالوا لا فسنعرف كثيراً عن أهدافهم وطريقة تفكيرهم».
وبدوره كرر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأربعاء ما قاله في اليوم السابق إنه ينتظر إجراءات قوية من الولايات المتحدة إذا رفضت روسيا مقترح واشنطن بوقف إطلاق النار.
وصرّح زيلينسكي، في مؤتمر صحافي في كييف: «أعرف أنه يمكننا التعويل على خطوات قوية. لا أعرف التفاصيل بعد، لكننا نتحدث عن عقوبات (ضد روسيا) وتعزيز قوة أوكرانيا».
وقال إن بلاده يمكنها مناقشة الضمانات الأمنية مع شركائها في حال الاتفاق على وقف إطلاق النار، مضيفاً في مؤتمر صحافي في كييف: «سنتحدث عن الضمانات الأمنية بمزيد من التفصيل في حال التوصل إلى وقف لإطلاق النار لمدة 30 يوماً.
وتهدف هذه الأيام الثلاثون إلى تدوين... الخطوات التي اتفقنا عليها مع حلفائنا، وصيغة الضمانات الأمنية في أوكرانيا بعد انتهاء الحرب».
لكن بيسكوف ردَّ في أول تعليق للكرملين أن موسكو «لا تريد أن تستبق الأحداث بشأن قضية وقف إطلاق النار المقترح».
وقال للصحافيين: «انظروا، أنتم تسبقون الأحداث قليلاً، لا نريد فعل ذلك. علينا أولاً الحصول على معلومات إضافية مفصلةً حول جوهر المحادثات التي جرت في جدة».
وكشف الناطق عن أن روسيا والولايات المتحدة تخططان لإجراء اتصالات ثنائية خلال أيام، وتتوقع موسكو أن يبحث الطرفان الخطوات اللاحقة على ضوء مخرجات لقاء جدة.
في الوقت ذاته، قال بيسكوف إن الطرفين -الروسي والأميركي- لم يتوصلا بعد إلى تفاهم محدد حول ترتيبات عقد قمة تجمع الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترمب.
وأوضح رداً على سؤال في هذا الشأن: «لا يوجد يقين حتى الآن بشأن موعد ومكان المحادثات على المستوى الرئاسي».
وكانت موسكو قد أعربت عن تحفظ في وقت سابق، على أي مقترح يتضمن إعلان هدنة مؤقتة، وقال الكرملين إن المطلوب الانتقال إلى عملية سياسية تفضي إلى تسوية نهائية تزيل الأسباب الجذرية للصراع،
مضيفاً أن الأفكار حول الهدن المؤقتة لن تؤدي إلى نتائج جيدة، وسيتم استغلالها من جانب كييف وحلفائها الأوروبيين لتنظيم الصفوف، وإعادة ترتيب أولويات التسليح والإعداد. لكن خبراء في موسكو لم يستبعدوا برغم ذلك أن «يتعامل بوتين مع الاقتراحات الأميركية بشأن هدنة بشكل إيجابي، في إطار سعي الكرملين لتأكيد التزامه بدعم جهود ترمب لإيجاد تسوية سريعة للصراع».
في الوقت ذاته، رأى خبراء أن موسكو تراقب بـ«قليل من الثقة» خطوات إعادة تشغيل الدعم الاستخباراتي والتقني لكييف، ورفع التجميد المؤقت على التسليح، وأن هذا السبب الأساسي الذي يدفع موسكو إلى التريث وانتظار توضيح التفاصيل من الجانب الأميركي.
يؤكد الدكتور عبد العزيز بن صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، ومقره جدة، أن الرئيس الأميركي ترمب أوجد مستوى جديداً للصراع لم يكن قائماً منذ اندلاع أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو الخلاف الأميركي - الأوكراني.
وأضاف قائلاً: «قرار تجميد الدعم العسكري والاستخباراتي والمالي لأوكرانيا لحين رضوخها للرؤية الأميركية لتسوية الصراع، ومطالب ضمان الاستثمارات في مخزون المعادن النادرة، أفرز مستوى جديداً من الصراع داخل معسكر الحلفاء الغربيين، ما زاد من تعقيد الجهود الرامية لتسوية الصراع الأساسي».
في غضون ذلك، جدَّد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تأكيد موقف بلاده المعلن حول عدم الاستعداد للتراجع عن المناطق التي سيطرت عليها موسكو داخل الأراضي الأوكرانية، في أي عملية تفاوضية مقبلة.
وقال في مقابلة مع المدونين الأميركيين أندرو نابوليتانو ولاري جونسون وماريو نوفل إن «أوكرانيا كان بمقدورها أن تحتفظ بحدودها لعام 1991،
ولكن من دون شبه جزيرة القرم وجزء من دونباس، لو تعاونت سلطاتها ونفذت المبادرات الخاصة بتسوية الأزمة في السنوات الماضية». وأوضح أنه «للمحافظة على حدودها، كان على كييف أن تلتزم باتفاقيات مينسك». وزاد لافروف: «في كل مرة يغشون، يخسرون، وهذه العملية مستمرة».
واتهم الوزير أوروبا وبريطانيا بالسعي إلى إدامة الصراع حول أوكرانيا، وقال إن الطرفين يريدان «رفع المخاطر، ويستعدان لشيء من شأنه دفع واشنطن إلى اتخاذ إجراءات عدوانية ضد روسيا».
وشدد على موقف بلاده الرافض لوجود قوات تابعة لحلف شمال الأطلسي على الأراضي الأوكرانية، في إطار أي تسوية محتملة.
وقال إن «وجود قوات أطلسية تحت أي علم، وبأي صفة، بما في ذلك قوات حفظ السلام، سيُشكل تهديداً لروسيا»، مؤكداً أن «موسكو لن تقبل بوجود دول حلف شمال الأطلسي على الأراضي الأوكرانية تحت أي ظرف من الظروف».
وانتقد الموقف الأوروبي القائم على «تجاهل مصالح روسيا».
وزاد: «لا أحد يتحدث إلينا. يرددون باستمرار أنهم لا يتحدثون عن أوكرانيا من دون أوكرانيا، لكنهم يفعلون كل شيء ضد روسيا من دون روسيا (...) لماذا علينا أن نوافق على قوة حفظ سلام أو أي مجموعة لحفظ السلام؟
يريدون أن تتكون هذه القوة من دول أعلنت بلادنا عدواً لها، ثم يأتون إلى هناك بصفة قوات حفظ سلام».
وشدد على أن بلاده لن تقدم تنازلات في الملفات الحيوية، وأنها «لن تتهاون في التعامل مع الأزمة الأوكرانية، لأن هذا الأمر الذي من شأنه أن يعرض حياة الناس للخطر (...)
بالنسبة لموسكو، الأولوية هي حماية الناس الذين حرمهم نظام كييف من تاريخهم من خلال سن قوانين أحادية».
وحول الحوار مع واشنطن، قال الوزير الروسي إن «مصالح روسيا والولايات المتحدة لن تتطابق مطلقاً؛ ولا يمكن أن تتطابق حتى بنسبة 50 بالمائة».
لكنه أشاد بموقف إدارة ترمب حيال أنه «مهما كانت خلافاتنا، فينبغي لنا ألا نسمح لها بالتصاعد إلى تأجيج المواجهة. وإذا كانت هناك مصالح مشتركة، فينبغي لنا ألا نفوت فرصة تحويلها إلى شيء عملي ومفيد».
وأعرب عن استعداده لمناقشة فكرة ترمب حول عقد اجتماع بين الولايات المتحدة وروسيا والصين بشأن الأسلحة النووية،
وقال إن «موسكو منفتحة على أي صيغة للحوار قائمة على الاحترام. تحتاج القوى النووية إلى التواصل، وليس الصراخ في وجه بعضها».
وشدد على متانة التحالف بين موسكو وبكين، منوهاً بأن بلاده لم يسبق لها أن حظيت بمثل هذه العلاقات الجيدة المليئة بالثقة مع الصين.
وأكد لافروف أن موسكو «لن تنتهك مطلقاً التزاماتها القانونية والسياسية التي تربطها ببكين».
ورداً على سؤال يتعلّق بصعوبات جدية تواجه علاقات موسكو وبكين على الصعيدين التجاري والاستثماري، أقر لافروف بأن «المشكلات والصعوبات في العلاقات إلى حد كبير بالعقوبات، لأن الشركات الصينية تريد أن تتجنب الوقوع تحت طائلة العقوبات».
وأوضح أنه «تم تأجيل بعض مشروعات اللوجيستيات والبنية التحتية الواعدة جداً في سيبيريا. لكننا لسنا في عجلة من أمرنا. الصينيون، على وجه الخصوص، لا يتعجلون مطلقاً. إنهم ينظرون دائماً إلى ما وراء الأفق. وهذه هي العقلية الوطنية، ونحن نحترمها».