
استعداد أوروبي وتحفظ روسي على تشكيل قوة أمنية بأوكرانيا بعد الحرب
الرأي الثالث - وكالات
تتجه دول أوروبية، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، إلى دراسة إمكانية نشر قوة أمنية متعددة الجنسيات في أوكرانيا، وذلك في حال التوصل إلى اتفاق سلام أو وقف دائم لإطلاق النار مع روسيا، بهدف دعم استقرار البلاد وردع أي هجوم روسي مستقبلي، دون الانخراط في أعمال قتالية مباشرة.
وكشفت تقارير إعلامية بريطانية، أن خططاً أولية كانت قد اقترحت إرسال ما يصل إلى 30 ألف جندي من دول أوروبية وأخرى غير أوروبية، إلا أن هذا العدد جرى تقليصه لاحقاً إلى حجم "أكثر واقعية" بعد مشاورات بين وزارات الدفاع في الدول المعنية.
جاء هذا التوجه عقب قمة عقدت في العاصمة الأميركية واشنطن، جمعت الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والرئيس دونالد ترامب، وعدداً من القادة الأوروبيين، وبحثت الضمانات الأمنية المستقبلية لأوكرانيا في جزء من ترتيبات ما بعد الحرب.
وفي تصريح عقب القمة، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "الأمر لا يتعلق بقوات قتالية على الجبهة، بل بقوات أمنية تنتشر بطريقة مطمئنة جواً وبحراً وبراً، بهدف توجيه إشارة استراتيجية مفادها أن السلام الدائم في أوكرانيا هو أولوية أوروبية".
وتقوم الفكرة على نشر القوات بعيدا عن خطوط القتال، وفقط بعد التوصل إلى اتفاق سلام. هذه القوة لن تخوض حربا ضد روسيا، بل ستكون جزءا من الضمانات الأمنية، وربما بمشاركة أميركية لم تتضح تفاصيلها بعد،
إلا أن تنفيذ هذا الطرح مشروط بتحقق سلسلة من التطورات، أبرزها موافقة روسيا على اتفاق سلام.
وأعربت كل من فرنسا والمملكة المتحدة وتركيا والدنمارك عن استعدادها المبدئي للمشاركة في هذه القوة، في حين أعلنت إيطاليا صراحة أنها لن تساهم بقوات على الأرض.
أما ألمانيا، فأبدت تحفظات بسبب التزاماتها ضمن خطط الناتو في دول البلطيق، لكنها لم تستبعد المشاركة. وصرّح المستشار الألماني فريدريش ميرز بأن المسألة ستُناقش داخل البرلمان (البوندستاغ)،
مشيرا إلى أن "على أوروبا بأكملها أن تتحمل مسؤوليتها في ضمان أمن أوكرانيا".
وفي كوبنهاغن، أكدت رئيسة الوزراء الدنماركية ميتا فريدريكسن، في تصريحات سابقة، أن بلادها منفتحة على إرسال عناصر عسكرية وخبراء للمساعدة في حماية البنية التحتية الحيوية الأوكرانية بعد الحرب.
دعم أميركي غامض ورفض روسي محذر من التصعيد
وفيما يتعلق بالدور الأميركي، صرّح الرئيس ترامب بأن بلاده "قادرة على توفير حماية وأمن جيدين جدا لأوكرانيا"، لكنه أوضح لاحقا أن الدعم قد يقتصر على التنسيق وتوفير الغطاء الجوي، دون إرسال قوات برية أميركية.
وأكد ترامب، في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" أنه يضمن عدم نشر قوات أميركية في أوكرانيا، مشددا على أن "الدعم الجوي" سيكون الخيار المفضل في حال التوصل إلى اتفاق سلام.
هذا بالطبع إلى جانب التصريحات القادمة من واشنطن حول أنها لن تمنح السلاح والذخيرة لأوكرانيا، بل سيشتريها الأوروبيون منها ويقومون بأنفسهم بمهمة إرسالها إلى كييف.
في المقابل، أعلنت وزارة الخارجية الروسية رفضها القاطع لأي خطط لنشر قوات أوروبية أو تابعة للناتو في أوكرانيا. وقالت المتحدثة باسم الوزارة، ماريا زاخاروفا، إن مثل هذه الخطوة تمثل "تصعيدا خطيرا قد يؤدي إلى عواقب لا يمكن التنبؤ بها".
معوقات السلام والخطوات المقبلة
تبقى قضية التنازلات الإقليمية العقبة الأكبر أمام التوصل إلى اتفاق سلام نهائي. فبينما ترفض كييف التنازل عن بعض أراضيها، يُصر الجانب الروسي على ذلك شرطاً أساسياً.
وسبق للرئيس الأميركي أن أشار إلى إمكانية بحث ما سماه "مبادلات الأراضي" ضمن اتفاق سلام شامل، وهو ما يثير تحفظات أوكرانية شديدة.
وفي السياق، قال الرئيس الفرنسي ماكرون "منذ عام 2008، لم يفِ الرئيس بوتين بأي من التزاماته. ولا يمكننا أن نتوقع أن تتحول روسيا، التي تُخصص 40% من ميزانيتها للدفاع وتمتلك جيشا يفوق 1.3 مليون جندي، إلى دولة ديمقراطية سلمية بين ليلة وضحاها".
ومن المقرر أن تُعقد سلسلة اجتماعات دبلوماسية خلال الأسبوعين المقبلين، تشمل لقاءات محتملة بين ترامب وبوتين، وأخرى ثلاثية مع زيلينسكي، الذي يواجه أيضا مشكلات داخلية.
ووفق مصادر أوروبية، يجري الحديث عن جنيف أو بودابست بوصفها مقار محتملة لهذه اللقاءات.
وأشار الرئيس الفنلندي ألكسندر ستاب، الذي حضر قمة واشنطن، إلى أن بلاده تأمل في إحراز تقدم ملموس بشأن الضمانات الأمنية في غضون أسبوع،
مؤكدا أن "هذه ستكون المرة الأولى التي تلتزم فيها الولايات المتحدة بضمانات أمنية لأوكرانيا". في المجمل، وبرغم وحدة الموقف الغربي المعلنة،
إلا أن الغموض لا يزال يحيط بمواقف بعض الأطراف الرئيسية، وعلى رأسها روسيا والولايات المتحدة. كما يبقى السؤال الأبرز دون إجابة: هل يريد الرئيس بوتين السلام فعلاً؟
الإجابة عن هذا السؤال ستحدد مصير مبادرات السلام وقوة الردع الدولية المقترحة في أوكرانيا خلال المرحلة المقبلة.
وأيضا لتوضيح ما إذا كانت هذه القوة ستكون: قوة ردع قادرة على الصمود في وجه هجوم روسي، أم مجرد رمز سياسي لالتزام الغرب، أم قوة مراقبة لا تتمتع بقدرات قتالية.