
سيناريوهات المواجهة بين جماعة الحوثي و"إسرائيل" بعد اتفاق غزة
حتى اللحظة، لا تزال الأنظار تترقب كيف سينعكس اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة على بقية الساحات التي شهدت مواجهة عسكرية مع دولة الاحتلال خلال العامين المنصرمين.
من أبرز تلك الساحات وأكثرها ارتباطاً بملف الحرب في قطاع غزة هي جبهة اليمن، التي انطلقت منها آخر طائرة مسيّرة باتجاه "إسرائيل"، قبل ساعات فقط من إعلان التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، يوم الخميس (9 أكتوبر الجاري).
المعلومات المتوفرة حالياً تشير إلى أن جماعة الحوثي قررت تجميد عملياتها العسكرية ضد "إسرائيل" وتلك التي تستهدف السفن المتجهة إلى الموانئ في الأراضي المحتلة، بانتظار مدى التزام "إسرائيل" ببنود الاتفاق في غزة.
لكن من جهة "إسرائيل" تبدو المواجهة مع الحوثي ملفاً غير مُغلق، وثأراً ينتظر الوقت المناسب، وهذا ما ذهبت إليه التقارير الإسرائيلية، حول أن المواجهة بين جيش الاحتلال والجماعة اليمنية مسألة وقت فقط.
وقف مشروط
لطالما ربطت جماعة الحوثي عملياتها ضد "إسرائيل" والهجمات في البحر الأحمر وخليج عدن بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وعلى مدى عامين، شنت الجماعة قرابة 137 هجوماً مباشراً على المدن الإسرائيلية، ومئات الهجمات البحرية.
وفور إعلان التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بغزة، بدعم دولي غير مسبوق، في مدينة شرم الشيخ المصرية، لوحظ توقف الهجمات من قبل جماعة الحوثي، سواء على "إسرائيل" أو في البحر الأحمر وخليج عدن.
ونقلت وكالة "تاس" الروسية عن مصدر مطلع، يوم السبت (11 أكتوبر)، قوله إن زعيم جماعة الحوثي عبد الملك الحوثي أمر بوقف الهجمات على "إسرائيل" وعلى السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.
وأضاف المصدر أن زعيم الجماعة "اشترط لوقف الهجمات التزام إسرائيل باتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة"، مشيراً إلى أن الجماعة تراقب تقدّم المفاوضات في غزة.
وقال المصدر إن الجماعة مستعدة لاستئناف الهجمات البحرية إذا انتهكت "إسرائيل" اتفاق وقف إطلاق النار، ومن ذلك إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين وضمان الوصول الإنساني إلى قطاع غزة.
وعلى الرغم من ذلك فإن الجماعة الحوثية تستعد على الأرض لاحتمال عودة المواجهة، ووفق مصادر خاصة ، فإن حالة الاستنفار على أشدها في مناطق سيطرة الجماعة، كما أن الاحتياطات الأمنية في أوساط القيادات غير مسبوقة في هذه الفترة.
ورحب زعيم جماعة الحوثي في خطاب ألقاه يوم الخميس (9 أكتوبر) باتفاق وقف إطلاق النار في غزة، لكنه دعا إلى الاستعداد للجولة القادمة من الحرب والبقاء في حالة جهوزية عالية.
استعداد إسرائيلي
"إسرائيل" ترى أن جماعة الحوثي جزء من المحور الإيراني الذي تعهد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بتدميره، وبالنظر إلى خريطة الأحداث، يتضح أن الهجمات من اليمن كانت المعضلة الأبرز بعد غزة، التي واجهت حكومة الاحتلال حتى آخر يوم من حرب غزة.
وبالرغم من شن "إسرائيل" سلسلة غارات على أهداف قالت إنها تابعة للجماعة في اليمن، بين يوليو 2024 وسبتمبر 2025، فإنها لم تنجح في وقف هجمات الحوثيين، سواء تلك التي تستهدف مواقع داخل الأراضي المحتلة، أو تلك التي تندرج ضمن الحصار البحري.
ويوم الأربعاء 8 أكتوبر الجاري، قالت القناة "12" الإسرائيلية إن المؤسسة الأمنية العبرية حسمت أمرها وقررت توسيع المعركة ضد الحوثيين، وإنها "مسألة وقت فقط".
ونقلت القناة أنه خلال 10 أيام فقط، أطلقت الجماعة من اليمن 6 طائرات مسيرة وصاروخين باليستيين، مؤكدةً أن ذلك يجعل الحملة ضدهم مسألة محسومة.
وقالت إنه خلال مناقشات مغلقة عقدتها المؤسسة الأمنية في "إسرائيل"، قبل أيام، تقرر فصل ساحتي غزة واليمن وعدم ربطهما، ونقلت عن مصادر أمنية قولها إن الحوثيين سيظلون خارج نطاق أي اتفاقات.
وأضافت: "تؤكد مصادر أمنية أنه حتى في حال توقف القتال في قطاع غزة، سيظل الحوثيون خارج نطاق هذه الاتفاقات"، وأن هناك رغبة في أن يستأنف جيش الاحتلال تنفيذ ضربات عنيفة في اليمن.
وقال مصدر دفاعي للقناة "12" الإسرائيلية: "حتى لو انتهت إسرائيل من الحرب في غزة فإن الحملة ضد الحوثيين لم تنتهِ بعد، وسيدفعون ثمناً باهظاً لما فعلوه في العامين الماضيين"، مضيفاً: "إن شن حملة كبرى على هذه الجبهة ليس مسألة هل، بل متى".
المحلل السياسي والصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين أكد هذه المعلومات بقوله في تدوينة على منصة "إكس": "واهم من يعتقد بأن إسرائيل ستوقف ضرباتها ضد الحوثيين في اليمن بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة".
سيناريوهات
الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور علي الذهب يضع سيناريوهين اثنين للمواجهة بين جماعة الحوثي و"إسرائيل"، يتمثل الأول في عدم توجيه أي ضربات إسرائيلية على الجماعة اليمنية.
وقال الذهب ، إن السيناريو الأول يتلخص في عدم قيام "إسرائيل" بتنفيذ أي هجمات على مناطق سيطرة الحوثيين، شريطة استقرار الوضع في قطاع غزة.
وأشار إلى أن هذا السيناريو مرتبط بعدم معاودة "إسرائيل" عملياتها العسكرية في قطاع غزة ضد "حماس" وبقية فصائل المقاومة، "وفي حال عاودت فإن الحوثيين سيعودون لتوجيه ضربات ضد المصالح الإسرائيلية".
ونوّه الذهب بأنه في هذه الحالة "سيكون هناك سبب لأن تشن إسرائيل هجمات على مناطق الجماعة اليمنية"،
مشيراً إلى أن الحوثيين "يريدون مثل هذه الذريعة لصرف الأنظار الداخلية والخارجية بعيداً عنهم"، وأن "غزة هي أنسب مكان لأنها تمثل بطولة لم يتسابق لنيلها أي كيان عربي رسمي".
وأما السيناريو الآخر فيتمثل - وفقاً للخبير العسكري الذهب - في أن "إسرائيل" قد تشن هجمة على الجماعة، "ولكن في حال تأكدت أنها ستكون هجمة فاعلة ومؤثرة وعلى أهداف جوهرية".
وتابع الذهب: "وبالتالي فإن استجابة الجماعة لها لن تكون مؤثرة"، لافتاً إلى أن هذا السيناريو مشروط فقط بطبيعة الأهداف وقيمتها، وتقديرات "إسرائيل" بأن الرد سيكون ضعيفاً من قبل الجماعة.
ويلفت إلى أن احتمال المواجهة أيضاً سيكون قائماً في حال توسعت الحرب إقليمياً، ودخلت إيران خط المعركة، مشيراً إلى أن "إسرائيل قد تستغل الوضع للرد على الخدوش التي أحدثتها ضربات الحوثيين، أو أن يكون هناك هدف ثمين لضربه".
لكنه رجّح أن "إسرائيل" في الفترة الراهنة لن تكون في وارد مهاجمة جماعة الحوثي؛ لأنها مشغولة بملفات أخرى متعلقة بوقف الحرب في غزة، وغيرها من الملفات.
إبراهيم شاكر
الخليج أونلاين