جثث الأسرى الإسرائيليين في غزة.. عقدة الاتفاق بعد وقف إطلاق النار

الرأي الثالث - وكالات

 بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة "حماس" و"إسرائيل" حيز التنفيذ، بدأت المرحلة الأولى من التفاهمات التي تشمل تبادل الأسرى الأحياء وجثامين القتلى من الإسرائيليين داخل قطاع غزة.

إلا أن هذا الملف لا يزال يواجه عقبات ميدانية حقيقية، خصوصاً فيما يتعلق بجثث الجنود الإسرائيليين التي لم يتم تسليمها بالكامل بسبب الدمار الهائل الذي خلفته الحرب، واستمرار وجود قوات الاحتلال داخل القطاع.

تعقد الأوضاع الميدانية عمليات البحث عن الجثامين وانتشالها، إذ إن أحياءً كاملة دمرت واختفت معالمها، ما يجعل الوصول إلى أماكن الاحتفاظ بالجثث أمراً صعباً تقنياً ولوجستياً، 

كما يفتقر القطاع إلى المعدات الثقيلة اللازمة لرفع الأنقاض، وهو ما يعرقل التنفيذ الكامل لبنود الاتفاق.

وينص الاتفاق على تشكيل قوة دولية بالتعاون مع الولايات المتحدة ومصر وتركيا وقطر للمساعدة في العثور على رفات الأسرى الإسرائيليين.

تهديد إسرائيلي للاتفاق

باليوم الأول من التنفيذ، سلمت "كتائب القسام"، الجناح العسكري لـ"حماس"، رفات أربعة أسرى إسرائيليين من أصل 28، ما دفع وزير حرب الاحتلال، يسرائيل كاتس، إلى اعتبار ذلك "خرقاً للاتفاق"، مهدداً بالرد على أي تأخير في التسليم.

من جانبها، نقلت صحيفة "معاريف" عن مصدر عسكري إسرائيلي قوله إنه لا توجد معلومات مؤكدة حول مواصلة الإفراج عن الجثامين، مشيرة إلى أن الآلية الدولية للبحث ستبدأ عملها خلال يومين استناداً إلى معلومات استخباراتية من "الشاباك" والمخابرات العسكرية.

وفي المقابل، أصدر "منتدى عائلات المحتجزين" بياناً دعا فيه إلى وقف تنفيذ الاتفاق إلى حين الإفراج عن جميع الجثامين، معتبراً أن أي تأخير يجب أن يقابل برد صارم من الحكومة الإسرائيلية، وهو ما يعد مطالبة ضمنية باستئناف العمليات العسكرية في غزة.
 
ورغم التصعيد الإسرائيلي الإعلامي والسياسي، واصلت كتائب القسام تنفيذ التفاهمات، حيث أفرجت عن 20 أسيراً إسرائيلياً وسلمتهم للصليب الأحمر الدولي في اليوم الأول للاتفاق.

وأكدت حركة "حماس" التزامها الكامل بالاتفاق، مشددة على أن تأخير تسليم بعض الجثامين يعود لأسباب ميدانية بحتة تتعلق بحجم الدمار وصعوبة التحرك في مناطق معينة.

وتضغط "إسرائيل" عبر الوسطاء للإسراع في استلام الجثامين، معتبرة أن هذا الملف يشكل اختباراً لمدى التزام "حماس" بالاتفاق، ومع ذلك يدرك الجانب الإسرائيلي حجم التحديات الميدانية التي تعيق التنفيذ السريع.

وعلى إثر ذلك، قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عدم فتح معبر رفح الأربعاء (15 أكتوبر)، وتقليص المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بشكل كبير، لحين "استعادة جثامين الرهائن"، بحسب قناة "كان" العبرية.

ملف معقد

الكاتب والمحلل السياسي محمود حلمي، اعتبر أن ملف جثث الجنود الإسرائيليين المحتجزة لدى المقاومة الفلسطينية في غزة يعد من أكثر الملفات تعقيداً في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار الأخير.

وأكد حلمي، أن هذا الملف يمثل اختباراً حساساً لمدى صلابة التفاهمات بين الأطراف، رغم التقدم الظاهر في تنفيذ بنود الاتفاق.

ويوضح حلمي أن "بعض الجثث لا تزال تحت الأنقاض وفقاً لما ينشر عن المقاومة، في مناطق تعرضت لتدمير شبه كامل، خصوصاً في شمال قطاع غزة، 

وحركة حماس، وذراعها العسكرية كتائب القسام، شددتا على أن التأخير لا يعود لأسباب سياسية، بل لأسباب ميدانية ولوجستية بحتة، تتعلق بعدم القدرة على الوصول الآمن إلى مواقع الجثث أو انتشالها في ظل الدمار الواسع والتعقيدات الأمنية المستمرة".

وأشار إلى أن حكومة الاحتلال الإسرائيلية، وتحت ضغط متزايد من عائلات الجنود القتلى، تحاول إبقاء هذا الملف في الواجهة الإعلامية، ملوحة باستخدام التأخير كذريعة للمناورة أو الابتزاز السياسي.
 
ويلفت إلى أن "هذا التصعيد، رغم أنه موجه للاستهلاك الداخلي، قد يضع إسرائيل في موقف حرج أمام المجتمع الدولي إذا ظهر أنها تنقض الاتفاق بسبب ظروف خارجة عن إرادة الطرف الآخر".

كما يشير حلمي إلى أن الوسطاء، وعلى رأسهم مصر وقطر، يراقبون تطورات الملف عن كثب، مؤكداً أنهم "يدفعون نحو فصل هذا الملف عن المسار العام للاتفاق، بحيث يتم تسليم ما أمكن من الجثامين فوراً، وتأجيل ما يتعذر انتشاله مؤقتاً، تجنباً لتعطيل مسار الاتفاق الإنساني والسياسي الأوسع".

وذكر أن استمرار هذا الملف دون حلول عملية قد يؤخر المراحل التالية من الاتفاق، خاصة تلك المتعلقة بإعادة الإعمار وتبادل الأسرى، "ما يتطلب تنسيقاً ميدانياً دقيقاً وربما تدخلاً فنياً دولياً يساعد في عملية الانتشال ضمن ترتيبات متفق عليها مسبقاً".

واعتبر أن "الملف قابل للحل، شريطة تجنب الضغوط السياسية المفتعلة أو محاولات التسويف، حيث تسعى حركة حماس لإغلاق هذا الملف دون خسائر ميدانية أو معنوية، فيما تحاول إسرائيل توظيفه داخلياً دون التضحية بالاتفاق برمته"،

 مؤكداً أن استمرار دور الوسطاء بحذر وفعالية سيكون الضامن الأساسي لتجاوز هذه العقبة دون تفجير المسار السياسي والإنساني الذي بُني بعد شهور من الحرب.