فضيحة "أسمنت عمران" تهزّ مصداقية الحوثيين: صناعة زائفة وفساد مغلف بشعارات وطنية
في اعتراف يُعد سابقة خطيرة ويكشف عن اختلالات واسعة في الرقابة التجارية، أقرت المؤسسة العامة لصناعة الأسمنت التابعة لجماعة الحوثي في صنعاء، بضلوعها في عملية تزوير للعلامة التجارية لأحد أهم المصانع الوطنية.
وجاء الإقرار بعد الكشف عن قيام المؤسسة بتغليف شحنة أسمنت مستوردة بشعار “مصنع أسمنت عمران” بهدف تسويقها كمنتج وطني، مما أثار جدلاً واسعاً حول المصداقية التجارية والأخلاقية في مناطق سيطرة الجماعة ويهدد الثقة بالمنتجات الوطنية.
بررت المؤسسة التابعة للحوثيين هذه الخطوة، التي وصفتها بـ “تغليف الأسمنت الخارجي بغلاف مصنع أسمنت عمران”، بأنها تهدف إلى “الحفاظ على العلامة التجارية” و”حماية المستهلك وضمان استقرار السوق” في أعقاب توقف المصانع المحلية (عمران وباجل) عن الإنتاج بعد تعرضها للقصف في مايو/أيار الماضي.
وزعمت المؤسسة أن الأسمنت المستورد، الذي لم تكشف عن حجمه أو كلفته، “مطابق للمواصفات العالمية وخضع للفحص الفني” في بلد المنشأ وفي ميناء الصليف. إلا أن المؤسسة لم تقدم أي أدلة فنية أو وثائق مختبرية موثوقة تثبت جودة الشحنة وصلاحيتها للاستخدام في أعمال البناء الحيوية.
في المقابل، كشفت مصادر محلية مطلعة أن الشحنة المعنية، والتي وصلت إلى ميناء الحديدة قادمة من باكستان، تُقدر بنحو مليون كيس أسمنت سائبة. ووصفت المصادر جودة هذه الكمية بأنها “رديئة”،
مؤكدة أنها عُبئت في أكياس تحمل شعار “أسمنت عمران” قبل أن تُغرق بها الأسواق المحلية باعتبارها إنتاجاً وطنياً يمنياً.
وكشفت تصريحات صادمة للسياسي والكاتب الموالي لجماعة الحوثي محمد المقالح، عن واحدة من أكبر الفضائح الاقتصادية التي تطيح بادعاءات حكومة الحوثيين في صنعاء بشأن “التصنيع المحلي”،
بعد أن تبين أن ما يسمى بـ"أسمنت عمران" ليس سوى أسمنت باكستاني مستورد تم تسويقه على أنه منتج وطني.
المقالح، المعروف بقربه من دوائر صنع القرار الحوثية، فجّر القضية بتغريدة على منصة “إكس” قال فيها:
“بعد حكاية أسمنت عمران، تخيلت عندما تكون الأدوية يمنية من كراتينها، كيف بايكون حالي وأنا الذي كُتب عليّ تناول العلاج بقية الحياة!”.
وأضاف بسخرية لاذعة:
“حكومة من هذا النوع لا يمكن الثقة بأمانتها أبدًا”.
تصريحات المقالح مثّلت اعترافًا نادرًا من داخل المنظومة الحوثية نفسها بفسادها وتضليلها للرأي العام، حيث تؤكد الفضيحة أن ما تسميه الجماعة "نهضة التصنيع المحلي" لا يتعدى في حقيقته عمليات تغليف وإعادة تعبئة لمنتجات أجنبية تُستورد سرًّا، ثم تُسوّق بشعارات "الاكتفاء الذاتي" و"الصناعة الوطنية".
أكاذيب الاقتصاد الحوثي تتهاوى
حادثة “أسمنت عمران” جاءت لتُسقط القناع عن سلسلة طويلة من الادعاءات التي روجتها جماعة الحوثي بشأن دعم الصناعة المحلية،
فيما تشير الحقائق إلى أن الجماعة تحتكر الاستيراد عبر شركات تابعة لقياداتها، ثم تُعيد تسويق السلع بأسماء يمنية، في عملية احتيال تجارية مكشوفة تستهدف تضليل المواطنين ونهب أموالهم.
ويحذر مراقبون من أن هذه الفضيحة ليست سوى نموذج مصغّر لمنظومة الفساد الحوثي التي امتدت إلى قطاعات أخرى كالأدوية والمواد الغذائية، حيث يجري تهريبها وإعادة تعبئتها في عبوات محلية لإيهام السوق بأنها صناعة يمنية.
أزمة ثقة وانهيار للمصداقية
تغريدة المقالح أشعلت موجة غضب وسخرية على منصات التواصل الاجتماعي، إذ رأى ناشطون أن اعتراف أحد أبرز الموالين للجماعة دليل على انهيار الثقة داخل معسكر الحوثيين أنفسهم، وأن “اقتصاد الصمود” الذي تتغنى به الجماعة ليس سوى غطاء لاقتصاد الفساد والتهريب.
ويرى مراقبون أن هذه الفضيحة تضرب في الصميم مصداقية حكومة الحوثي التي طالما استخدمت خطاب “الاستقلال الاقتصادي” لتبرير فشلها في إدارة مؤسسات الدولة، فيما الواقع يكشف عن اقتصاد زائف يعيش على الشعارات والكذب المنظّم.
في المقابل، تواصل الجماعة التزام الصمت الرسمي حيال القضية، في محاولة لاحتواء الغضب الشعبي المتزايد، بينما تتزايد الدعوات لمحاسبة المتورطين وكشف شبكات الفساد التي تديرها قيادات عليا في حكومة الحوثيين.
ويُعد مصنع أسمنت عمران من أكبر وأقدم المصانع الوطنية في اليمن، ويمتلك سمعة تجارية راسخة. إن تزوير علامته التجارية لا يمثل غشاً تجارياً فحسب، بل يهدد الثقة في المنتجات الوطنية بشكل عام، خاصة في ظل الأزمة التي يعاني منها سوق البناء نتيجة توقف الإنتاج.