عام على سقوط الأسد.. إنجازات مبكرة ترسم ملامح سوريا الجديدة
الرأي الثالث - وكالات
في الذكرى الأولى لسقوط نظام بشار الأسد، تبدو سوريا كأنها تعيد كتابة تاريخها من جديد؛ فبعد عقود من الحكم الدكتاتوري والتضييق والقمع، وجد السوريون أنفسهم أمام بلد خالٍ من نظام الأسد، ويتحرّك بثبات نحو مرحلة مختلفة من تاريخه السياسي والاجتماعي.
وفي شوارع المدن والبلدات التي اعتادت الهتاف خوفاً، عاد الناس هذه المرة ليحتفلوا بما يرونه بداية وطن وُلد من جديد بعد سنوات طويلة من الحرب والتهجير.
لم يكن يوم الثامن من ديسمبر 2024 مجرد نهاية لنظام، بل منعطفاً أعمق لمسار ثورة امتدت لثلاثة عشر عاماً، قبل أن تنجح عملية "ردع العدوان" في إزاحة النظام القمعي وفتح أبواب مرحلة انتقالية.
ومع مرور عام كامل على هذا التحول، تتداخل مشاعر الابتهاج بالتحرير مع واقع ثقيل يرتبط بإعادة بناء دولة منهكة خرجت من حرب قاسية وإرثٍ ثقيل من الانقسام والدمار.
ومع كل خطوة تقطعها الحكومة الجديدة في دمشق، تتضح صورة بلد يحاول معالجة جراحه وفتح صفحة جديدة من دون تكرار أخطاء السلطة السابقة.
إنجازات خلال عام
وبين التفاؤل والواقع الصعب، تبدو سوريا اليوم على أعتاب مرحلة انتقالية تسير نحو هدفها بنجاح، لا سيما أنها، للمرة الأولى منذ عقود، تمضي في اتجاه يمكن قياسه ومراقبته ومساءلته.
وعلى الرغم من أن عاماً واحداً يصعب خلاله تحقيق تقدّم ملموس لحكومة جديدة ورثت دماراً هائلاً في البنى التحتية وخلافات دولية وصورة سيئة في أذهان العالم، فإن هذه الفترة شهدت ما يمكن وصفه بـ"إنجازات" في مواقع عديدة، وتشمل:
التحول السياسي والدبلوماسي
- حققت سوريا اختراقاً دبلوماسياً أنهى سنوات طويلة من العزلة التي فرضها النظام السابق.
- الرئيس أحمد الشرع قاد تحركاً سياسياً نشطاً أعاد دمشق إلى الساحة الدولية، تُوّج بزيارة البيت الأبيض ولقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
- شهدت دمشق زيارات رفيعة المستوى من ممثلي دول كبرى، بينها وفد من مجلس الأمن في زيارة اعتُبرت الأولى من نوعها.
- بنت دمشق شبكة علاقات متوازنة مع واشنطن وموسكو وباريس وأنقرة.
- وضعت دمشق أساساً متيناً لعلاقات قوية مع دول الخليج ونيل دعم خليجي لنهوض سوريا اقتصادياً.
- انخراط سوريا في التحالف الدولي ضد "داعش" غيّر صورتها من "دولة راعية للإرهاب" إلى "شريك في مكافحته".
تحديات أمنية وبناء الجيش
- التحديات الأمنية ما زالت قائمة بوجود مجموعات مسلحة تعيق بسط سلطة الدولة في كامل المناطق.
- الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة وسيطرة "إسرائيل" على المنطقة العازلة زادت من حساسية المشهد الأمني.
- وزارة الدفاع السورية تمكنت من تشكيل نواة جيش وطني موحد، بعد دمج أغلب الفصائل المقاتلة ضمن تشكيلات رسمية.
- أطلقت الحكومة السورية برامج تدريبية وهيكلية جديدة أسهمت في بناء منظومة عسكرية أكثر مهنية وانضباطاً.
الاقتصاد وإرث الحرب
- الاقتصاد السوري ورث دماراً هائلاً بلغت خسائره التقديرية نحو 800 مليار دولار.
- وصلت نسبة الفقر إلى حدود 90% وفق تقديرات الأمم المتحدة.
- أعلنت الحكومة عن تعاقدات استثمارية بقيمة 28 مليار دولار، لكن التنفيذ مرتبط برفع العقوبات واستقرار البيئة القانونية.
- المسار الاقتصادي الجديد يعتمد على الشفافية وإدارة الموارد بكفاءة وجذب الشراكات الدولية.
- توقعات المراقبين تؤكد حصول تحسن تدريجي في الدخل وفرص العمل.
إعادة تشكيل الحياة السياسية
- أجرت سوريا في أكتوبر 2025 أول انتخابات تشريعية حقيقية منذ أكثر من خمسين عاماً، عبر نظام اقتراع غير مباشر.
- الانتخابات شكّلت خطوة أولى نحو بناء نظام سياسي قائم على المشاركة لا الاحتكار.
- النقاش العلني حول الأخطاء والمساءلة أصبح جزءاً من المشهد العام، في تحول بارز عن حقبة النظام السابق.
المؤسسات الجديدة تعمل في بيئة تمضي نحو تأسيس قواعد سياسية أكثر وضوحاً وشفافية.
إشارات تفاؤلية بمستقبل سوريا
مع فجر الاثنين، اختار الرئيس السوري أحمد الشرع أن يفتتح الذكرى الأولى لـ"تحرير سوريا" من قلب المسجد الأموي الكبير في دمشق، في مشهد بدا أقرب إلى رسالة تفاؤلية بمستقبل أكثر أمناً واستقراراً.
ودخول الشرع بزيّه العسكري، ووضعه قطعة من ستار الكعبة المشرفة التي أهداها له ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كان تأكيداً على أن لحظة "النصر" التي تعيشها البلاد باتت نقطة انطلاق لمرحلة يعتبرها هو شخصياً أكثر إشراقاً.
وفي كلمته المقتضبة عقب صلاة الفجر، تحدث الشرع مشدداً على أن إعادة بناء البلاد ستكون "بطاعة الله ونصرة المستضعفين وبالعدل بين الناس".
لم يُخاطب الشرع حشود السوريين داخل المسجد بصفة القائد المتوج بالنصر فقط، بل بصفة من يريد أن يطمئن جمهوراً مرهقاً من الحرب والتحولات.
وقدّم الشرع تصوراً ضمنياً بأن القادم سيكون أكثر استقراراً، وأن السلطة الجديدة ترى نفسها قادرة على تجاوز ما تبقى من عقبات، بقوله: "لن يقف في وجهنا أحد (...) وسنواجه كل التحديات".