
فتح الطرقات في اليمن: الحوثيون يريدون بدائل للموانئ
منذ بدء الحرب في اليمن في مارس/ آذار 2015 عملت جماعة الحوثيين على تقطيع أوصال المحافظات اليمنية من خلال قيامها بغلق الطرق الرئيسية التي تربط بين المحافظات.
وخلال سنوات الحرب العشر، عانى اليمنيون كثيراً من إغلاق الطرق حيث اضطروا إلى الاعتماد على طرق بديلة، وهي طرق وعرة وخطيرة، وأطول بكثير من الطرق الرئيسية، ما ضاعف ساعات السفر، وتكاليفها المالية، وزاد من معاناة السكان الذين أضافت الطرق عبئاً إلى رصيد معاناتهم الإنسانية، وهم يعانون من أكبر كارثة إنسانية حول العالم.
استخدم الحوثيون ملف الطرقات ورقة ضغط ضد الحكومة المعترف بها دولياً. وعلى الرغم من المطالبات المستمرة من قبل الحكومة والمبعوث الأممي هانس غروندبرغ بفتح الطرقات وتسهيل عمليات التنقل بين المحافظات،
إلا أن هذه المطالب كانت تواجه بالرفض من قبل الحوثيين. كانت الانفراجة الأولى منتصف يونيو/ حزيران 2024 تتمثل بفتح طريق جولة القصر بمدينة تعز جنوب غربي البلاد، والتي تربط بين وسط المدينة الخاضع لسيطرة الحكومة المعترف بها، وشمال شرق المدينة الخاضع لسيطرة الحوثيين. وجاء ذلك نتيجة سنوات من التفاوض.
تغير موقف الحوثيين من ملف الطرقات
وفي الفترة الأخيرة، تغيّر موقف الحوثيين تماماً من ملف الطرقات، حيث باتوا يدفعون قدماً بملف الطرقات بهدف فتحها،
وهو موقف بحسب متابعين يعكس حاجة الحوثيين المتزايدة إلى فتح خطوط إمداد برية بديلة، في ظل القيود المفروضة عليهم عقب تصنيفهم منظمة إرهابية من قبل الإدارة الأميركية،
وكذا تضرر الموانئ الواقعة تحت سيطرة الجماعة (ميناء الحديدة، ميناء رأس عيسى، ميناء الصليف) نتيجة الضربات الإسرائيلية التي أحدثت أضراراً كبيرة بالبنية التحتية لهذه الموانئ، وأثرت على قدرتها على استقبال الحاويات.
ويوم الأحد الماضي أعلنت جماعة الحوثيين إعادة فتح طريق "عقبة ثرة" الرابط بين مديرية مكيراس في محافظة البيضاء وسط اليمن ومديرية لودر بمحافظة أبين جنوبي البلاد، وذلك بعد أكثر من تسع سنوات على إغلاقه.
وقالت وكالة "سبأ" بنسختها الحوثية إن الطريق المعروف باسم البيضاء ـ أبين، أعيد افتتاحه رسمياً بحضور مسؤولين تابعين للجماعة في المحافظتين، في إطار ما وصفته بمبادرة إنسانية تهدف إلى تخفيف معاناة السكان وتسهيل حركة تنقلاتهم.
وأكد محافظ البيضاء المعيّن من قبل الحوثيين، عبدالله إدريس، أنه تمت إزالة العوائق ومخلفات الحرب من الطريق بالتعاون مع ما يُعرف بـ"فريق الراية البيضاء" وهو مبادرة مجتمعية تسعى لفتح الطرقات المغلقة في اليمن بسبب الحرب.
وكانت وساطات محلية بما فيها من "فريق الرايات البيضاء" قد نجحت نهاية مايو/ أيار الماضي بفتح طريق مريس ـ دمت بمحافظة الضالع الرابط بين صنعاء وعدن، بعد موافقة الأطراف على إنهاء معاناة المدنيين في هذا الممر الحيوي الذي أغلقه الحوثيون عام 2018.
وتمت عملية فتح الطريق بسلاسة من قبل الطرفين (الحكومة المعترف بها والانتقالي الجنوبي من جهة، وجماعة الحوثيين من جهة أخرى) حيث بادر الطرفان لمعالجة العوائق الفنية على طول الطريق، أبرزها الجسور المدمرة والعبّارات المفخخة،
بالإضافة إلى تسوية الطريق ورفع الحواجز الأسمنتية والترابية.
وقوبل فتح الطريق بترحيب واسع نتيجة أهميتها كطريق تجاري هام، وطريق رئيسي يربط بين شمال وجنوب اليمن حيث تمر الطريق من عدن مروراً بمحافظات لحج والضالع وإب وذمار وصولاً إلى صنعاء. ورحّب غروندبرغ بـ"فتح طريق الضالع"،
معتبراً، في بيان، أن فتح المزيد من الطرق "أمر بالغ الأهمية لتسهيل حركة التجارة وتنقّل الأفراد في مختلف مناطق اليمن".
طرق رئيسية لا تزال مغلقة في اليمن
وفي السياق لا تزال طرق رئيسية مغلقة، وأبرزها: مأرب ـ البيضاء ـ صنعاء، ومأرب ـ صرواح ـ صنعاء، وكذا طريق حيس ـ الجراحي بمحافظة الحديدة غربي اليمن في ظل اتهامات متبادلة بعرقلة فتحها.
وقال الكاتب عبد الباسط الشاجع، إنه نتيجة الجمود وواقع اللاسلم واللاحرب الذي تشهده الساحة اليمنية منذ إعلان الهدنة بين الأطراف اليمنية في إبريل/ نيسان 2022، برزت مبادرات مجتمعية لتخفيف عبء الحرب على المواطنين، منها عودة فتح الطرق الرئيسية، فعاد زخمها مرة ثانية قبل أشهر،
لكن هذه المرة تعاملت الجماعة الحوثية معها بمرونة محدودة مقارنة بالفترات السابقة. ولفت إلى أن هناك دوافع ساهمت بتغيير سلوك الحوثيين وموقفهم من فتح الطرقات، وهو تغير تكتيكي وليس استراتيجياً، أهمها مواجهتهم ضغوطاً اقتصادية متزايدة نتيجة استهداف موانئهم، مثل الحديدة، من قبل أميركا وإسرائيل،
وهذه الضربات قللت قدرتهم على استقبال الإمدادات عبر الموانئ، ما دفعهم للبحث عن بدائل، مثل الطرقات البرية لتأمين تدفق البضائع والمساعدات.
وأشار إلى أن الجماعة الحوثية تستخدم ملف الطرقات ورقة تفاوض لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، وتصريحات قياداتها التي تبدي مرونة بشأن فتح الطرقات، تعكس استعدادها للتفاوض عندما تكون هناك فرص لتحقيق مكاسب مالية أو سياسية، أو الخروج من المأزق والعزلة.
ورأى أن الجماعة الحوثية تواجه رقابة شديدة في الملاحة الدولية من قبل التحالف الدولي (حارس الازدهار)، وهذا يحد قدرتها على الاعتماد على تهريب الأسلحة أو البضائع عبر البحر، مما دفعها لمحاولة استغلال الطرقات، لكن بنجاح محدود،
وبكل تأكيد لا يمكن أن يؤدي غرض عمل الموانئ، وبالمجمل فالطرقات ملف إنساني بحت، ويجب تجنيبه التوظيف السياسي والعسكري ومضاعفة الجبايات الذي يزيد من تراكم المعاناة على المواطنين اليمنيين.
بدوره، قال الباحث الاقتصادي عمار الصراري ، إن الهدف من توجّه الحوثيين لفتح الطرقات بعد سنوات من التعنت يعود بشكل رئيسي إلى الجانب الاقتصادي، حيث تدرك الجماعة أن موانئها تضررت كثيراً بفعل الاستهداف الأميركي والإسرائيلي لها، وأنها معرّضة للتدمير أكثر وربما الخروج تماماً عن الخدمة نتيجة التصعيد العسكري المتبادل مع إسرائيل، وكذا استئناف الجماعة لاستهداف السفن في البحر الأحمر،
ما يعني إمكانية عودة الهجمات الأميركية، أي أن الموانئ لا تزال هدفاً للهجمات الأميركية والإسرائيلية، وبالتالي صعوبة وصول الواردات من الوقود والمواد الغذائية إلى مناطق سيطرة الجماعة.
وأوضح الباحث الاقتصادي أن الموانئ في مناطق الحوثيين تضررت بشكل كبير نتيجة الهجمات الأميركية والإسرائيلية، وأعلن الحوثيون أن الخسائر تجاوزت 1.4 مليار دولار،
وهذا الأمر بالتأكيد عقَّد عملية تدفق السلع والمواد الغذائية والوقود إلى مناطق الحوثيين، خصوصاً أن اليمن يعتمد على الاستيراد لتوفير 90% من احتياجاته من السلع والمواد الغذائية والتموينية،
وتشير الأرقام إلى أن واردات الوقود والغذاء إلى هذه الموانئ تراجعت خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري بنسبة 17% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وأشار إلى أن هذه المعطيات جعلت الجماعة تبحث عن بدائل تعوض عدم قدرتها على الاستيراد عبر الموانئ، ووجدت أن الطرق البرية ستكون بديلة في توفير الاحتياجات من المواد الغذائية والتموينية عبر مناطق الحكومة الشرعية،
ولهذا سارعت إلى التعاطي مع الدعوات المطالبة بفتح الطرقات بعد أن أغلقتها وظلت ترفض فتحها لعشر سنوات.
فخر العزب
صحافي يمني