
حادثة المهرة تكشف عن اختراق عميق لبوابة اليمن الشرقية
تطورات عصيبة تعيشها الحكومة الشرعية في محافظة المهرة المحاذية لسلطنة عمان منذ ليلة أول من أمس بسلسلة أحداث شهدت قتل جندي وجرح آخرين، والقيام بتمرد مسلح ومحاولة مستميتة لتهريب قيادي حوثي رفيع إلى الخارج، وهو ما يكشف عن إشكال عميق يواجه السلطات في المحافظة التي تعرف بـ"البوابة الشرقية" لليمن.
واليوم تمكنت قوة عسكرية تابعة للحكومة الشرعية من نقل القيادي الحوثي البارز محمد الزايدي إلى مدينة الغيضة، المركز الإداري لمحافظة المهرة،
عقب يومين من اعتقاله متنكراً داخل شاحنة تبريد أسماك كانت تقطع آخر الأمتار في الحدود اليمنية بمنفذ "صرفيت" مع الجارة عمان نتج منه اشتباكات مسلحة عنيفة بين السلطات الحكومية في المنفذ اليمني وعناصر قبلية كانت تحاول تسهيل هرب الزايدي إلى سلطنة عمان التي تحتفظ بعلاقات قوية مع الميليشيات الحوثية المصنفة على لوائح الإرهاب العالمي، من دون أن يؤثر ذلك في علاقات البلدين الجارين دبلوماسياً وإن بصورة علنية في الأقل.
مع المشروع الإيراني
ووفقاً للعميد في الجيش اليمني محمد الكميم فإن القوات الحكومية واجهت عملية تهريب ممنهجة عبر شخصيات مهرية حاولت إخراج القيادي الحوثي الزايدي إلى سلطنة عمان
وعند اعتقاله اندلعت اشتباكات عنيفة أدت إلى مقتل جندي وجرح عدد آخر من زملائه ثم هزيمة العناصر التخريبية التي حاولت استهداف القوة الأمنية مرة أخرى، وهو ما أخر عملية نقل القيادي إلى الغيضة قبل أن تتمكن التعزيزات من مطاردتها.
بحسب الكميم، فإنه عقب اعتقال القيادي الحوثي ظهر طقم مسلح (عربة دفع رباعي محملة بالمسلحين) مجهول قرب منفذ صرفيت، مما دفع الأجهزة الأمنية هناك لرفع حالة الجاهزية واتخاذ الإجراءات الاحترازية لحماية المنفذ الحدودي،
وعقب الاعتقال تأكدت المخاوف بتعرض قوة عسكرية انطلقت من مدينة الغيضة إلى مديرية حوف لمساندة الأجهزة الأمنية إلى كمين مسلح في منطقة دمقوت، نفذته عناصر ترتبط بجماعة الحوثي.
وعلى مدى سنوات الحرب الـ10 الماضية ظلت المهرة بعيدة من القتال والصراع ولم تسجل أي نشاط معلن لعناصر حوثية عدا بعض الأنشطة التي تتهم بتخادمها مع الجماعة المدعومة من إيران،
خصوصاً مع الكشف بين حين وآخر عن تزايد عمليات التهريب عبر المجتمع المحلي بحدودها المترامية مع سلطنة عمان وموقعها المطل على البحر العربي، مما يجعلها عرضة لمحاولات الاختراق الدائمة من الجماعة.
إلا أن العميد الكميم يؤكد أن هذه الحادثة تمثل أولى الأنشطة الفعلية للعناصر الحوثية التي "ظلت تمارسها بدعم ورعاية شخصيات محلية مهرية وخارجية تتوافق مع المشروع الإيراني في المحافظة،
وهو ما يؤكد أن القوات الحكومية ستقوم بمهماتها على أكمل وجه بردع التدخلات الكيانات الميليشياوية".
وعن خلفية مهمتها، قالت شرطة المهرة إن "عملية التوقيف جرت وفق إجراءات قانونية، لا سيما بعد التحقق من أن الجواز صادر عن جماعة الحوثي وورود اسم الزايدي في قوائم المطلوبين".
وأدى الكمين، إلى مقتل العقيد عبدالله زايد، قائد كتيبة الدبابات في اللواء 137 مشاة، وإصابة اثنين من الجنود، في حين لا تزال العناصر المسلحة تتمركز في الجبال المحيطة بالمنطقة، وسط ملاحقات أمنية.
وأكدت الشرطة أن الزايدي كان يحمل جوازاً دبلوماسياً صادراً عن ميليشيات الحوثي في صنعاء بتاريخ الـ29 من أغسطس (آب) 2022 ومهنته المدونة في الجواز "ضابط في القوات المسلحة"،
بينما عرف خلال السنوات الماضية بكونه شيخاً قبلياً ينتمي لمحافظة مأرب (شرق) أوكلت إليه مهمات حوثية عدة منها حشد المقاتلين نحو محافظته والتواصل بالعناصر القبلية والفاعلة هناك، ف
ي إطار مساعي الجماعة إلى تهيئة السيطرة على المحافظة النفطية التي قوبلت بالفشل.
السلاح يتهدد نفوذ الشرعية
وفي حين سارعت قيادات الجماعة الحوثية للتنديد باعتقال الزايدي والتهديد باقتحام مناطق الحكومة الشرعية في حال عدم إطلاق سراحه بسرعة كونه "عابر سبيل وكبير قومه"،
جاءت واقعة المهرة لتمثل جرس إنذار شديد الوقع على آذان الحكومة اليمنية المعترف بها بقيادة رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي الذي لم ينتظر الصباح، وسارع فوراً بعقد اجتماع طارئ مساء أول أمس جمع وزير الدفاع الفريق محسن الداعري وقادة آخرين وحضور بعض من قيادات السلطة المحلية بمحافظة المهرة.
وكرس الاجتماع وفقاً لوكالة "سبأ" الرسمية "لمناقشة الأوضاع الأمنية والعسكرية والإجراءات المطلوبة لتحسين كفاءة السلطات ودعم جهودها لتحقيق الأمن والاستقرار"، من دون التطرق إلى واقعة تمرد عناصر سعت إلى تهريب عنصر حوثي رفيع،
ولكن يتضح أنه إجراء حكومي طارئ يقف على التطورات التي تتهدد مناطق نفوذها الباقية في المحافظات الجنوبية والشرقية بعد أن فقدت سيطرتها على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات المجاورة لها لصالح ميليشيات الحوثي.
ولهذا جاء تأكيد العليمي على "تعزيز حضور الدولة في المهرة"، كتحد جديد أمام أجهزة حكومته التي تعاني تفاقم مشكلاتها العسكرية والسياسية والاقتصادية والخدمية،
بالتزامن مع تزايد حدة السخط الشعبي جراء تردي الأوضاع المعيشية في المناطق التي تحكم قبضتها عليها وفي مقدمها الرواتب والكهرباء والمياه والمشتقات النفطية والغلاء الفاحش.
تحرك مريب وتحذيرات
ومثلما أثارت العملية الشكوك حول مهمة الزايدي الحقيقية وأهداف مغادرته إلى سلطنة عمان أرجعها المراقبون إلى توقف مطار صنعاء عقب قصفه على يد إسرائيل في مايو (أيار) الماضي، وتدمير الطائرات التي كانت تحت سيطرة الميليشيات بالكامل وعددها أربع طائرات.
كما أثارت التساؤلات عن قطعه مسافة طويلة تقدر بنحو ألف كم من آخر نقطة تسيطر عليها الجماعة الحوثية إلى المنفذ اليمني - العماني، وتساءلوا عن أسرار تجاوزه محافظات عدة تقع في نطاق الحكومة الشرعية، هي حضرموت ومأرب وشبوة وغيرها،
إلا أن مصادر محلية تناولت سيناريو التهربب الحوثي الذي يجري عبر الصحراء التي لا تتوفر بها قوات حكومية بصورة واسع.
ووفقاً لذلك حذر مراقبون من أن الاستجابة الخاطئة لوعيد الحوثي ووساطاته القبلية والتهاون الأمني قد يفتح الباب أمام احتمالات تشمل اتساع نفوذ الميليشيات، في منطقة عرفت باحتفاظها بهامش من الاستقرار في شرق البلاد.
واعتبر الكاتب السياسي خالد سلمان عبر منصة "إكس" أن توقيف القيادي الحوثي "يكشف عن تغلغل حقيقي للجماعة في المناطق المحررة، ليس بالعواطف أو الانتماء المذهبي، بل بالسلاح والخلايا النشطة".
وقال سلمان إن ما جرى في المهرة "أخرج المسكوت عنه إلى العلن، فالزايدي ليس مجرد فرد بل مؤشر على اختراق منظم وتواطؤ صامت"،
مشيراً إلى أن الحادثة تطرح سؤالاً وجودياً حول من يحكم المهرة اليوم، ومدى نفوذ جماعة الحوثي فيها، لا سيما في ظل تداول أنباء عن وساطات للإفراج عن القيادي الحوثي.
كما اعتبر المستشار السابق لمحافظ المهرة أحمد عبدالله بلحاف أن العملية دليلاً على تنامي خطر ما وصفه بـ"مخططات جماعة الاعتصام الحوثية وميليشياتها"،
محذراً من "حال التراخي الرسمي في مواجهة ما يجري من اختراق وإنشاء معسكرات وتهريب أسلحة وأموال وقيادات حوثية عبر المهرة".
توفيق الشنواح
صحافي يمني