ثلاثي الهذيان المقدس: نتنياهو، ترمب والحوثي
طبعا ثمة شيء مشترك يجمع بين نتنياهو، ترمب، والحوثي، شيء أكبر من السلطة وأصغر من العقل:
إنهم ثلاثة معاتيه، ولكنهم من طراز خاص، لا يُقاس بالميزان، ولا يُفهم بالمنطق.
هم تجسيد حيّ لعبث العالم حين يتخلى عن حكمته ويمنح مفاتيح الخراب لوجوه تتحدث كثيرًا ولا تقول شيئًا، تحارب كثيرًا ولا تنتصر، وتزعم النبوّة في زمن لم يعد يحتمل حتى الشعراء.
فلنبدأ بالمهرج الأقدم فيهم، بنيامين نتنياهو. رجل بعينين جاحظتين وضمير مستتر تقديره "أنا وبس". يحتل منصبه كما يحتل اللص خزنةً فارغة:
يعلن النصر بعد كل هزيمة، ويصنع من مجازر غزة "حقا مشروعا للدفاع"، كما لو أن الدفاع هو قصف المستشفيات واختطاف جثث الأطفال من الحاضنات.
تذكروا هو ليس مجرم حرب فحسب، بل بائع وهم محترف. يطل على العالم بشعره المسرح جيدا ليخفي الفوضى في دماغه، ويقول لجمهوره: "أنا الوحيد القادر على حمايتكم"، بينما إسرائيل تغلي، وتتآكل أخلاقيا من الداخل، وتتعرى من إنسانيتها أكثر مع كل خطاب يلقيه.
ثم ننتقل إلى المهرج الأكبر، دونالد ترمب. رجل لا يحتاج إلى شرح، فهو الشرح نفسه لانحطاط السياسة الحديثة.
يملك وجهاً برتقالياً يليق بفاكهة فاسدة، ولسانا يفرز تغريدات أسرع من تفكيره، إن وُجد. جعل من البيت الأبيض ساحةً لبرنامجه الواقعي، "أمريكا ترقص مع الذئاب"، واستبدل السياسات الخارجية بالتغريدات، والدبلوماسية بنرجسية صاخبة، جعلت من الحلفاء خصوماً، ومن الخصوم مادة للابتزاز. بل إنه أول رئيس يحكم العالم كما لو أنه يدير كازينو في لاس فيغاس، بالحد الأدنى من الأخلاق، والحد الأقصى من الاستعراض.
أما الثالث، فهو الحوثي، المخلوق الذي لا يُشبه سوى ظله المشوه في كهف مظلم.
يتحدث باسم السماء بينما يغرق في مستنقعات الأرض. يلبس عباءة "آل البيت" ليستر بها مشروعا كهنتويا صغيرا لعصابة كبيرة.
يصرخ بالموت لأمريكا بينما يستورد سلاحه من طهران، ويجعل من الموت فريضة، ومن الجوع سياسة، ومن الجهل وساما وطنيا.والحق يقال إنه كائن ما قبل الدولة، ما قبل العقل، ما قبل النور. صنع من الخرافة نظاما، ومن السلالة قانونا، ومن قهر الشعب اليمني رسالة خالدة.
ولو وُلد قبل ألف عام، لربما وجد له مكانا في الحكايات الملعونة التي كان الناس يخيفون بها أطفالهم.
صدقوني إن هؤلاء الثلاثة لا يجتمعون في مؤتمر دولي، لكنهم يلتقون في العقلية: هم ضد العالم، وضد الإنسان، وضد المعنى. يتحدثون بلغة الكراهية، ويغذون شعوبهم بالكذب، ويجعلون من أنفسهم رموزا في زمن انعدمت فيه الرموز.
من هنا فإنهم "الثالوث الأسود" الذي يسرق النور من العيون، ويحيله إلى دخان كثيف اسمه "الشرعية، القومية، الدين".
والطريف أن كل واحد منهم يعتقد أنه مبعوث العناية الإلهية، بينما هو في الحقيقة نكتة سيئة أطلقتها الحياة على سبيل التسلية.
نتنياهو يعتقد أنه داوود في مواجهة "العماليق"، وترمب يرى نفسه المسيح المنتظر ببذلة زرقاء وربطة عنق حمراء، أما الحوثي، فهو يتقمص شخصية الحسين، لكنه لا يجرؤ على قول الحقيقة حتى أمام المرآة.
ويا ترى هل يحتاج العالم إلى عقل؟
بالطبع، لكن لا أحد أخبر هؤلاء. هم يشكلون مسرحا عبثيا عالميا، يوزعون فيه الأدوار بالتساوي: الضحية مجرم، والمجرم قديس، والكارثة إنجاز.
بل لقد جعلوا من الكذب مدرسة، ومن الانفصال عن الواقع فلسفة، ومن الحماقة مذهبا.
بالتأكيد أمام هذا المشهد، لا نملك إلا أن نضحك. لكن ضحكنا ليس سخرية، بل وجعا نبيلا، ومرارة مضحكة، إذ إننا نشاهد المأساة تُعرض على شكل مسرحية هزلية، بينما العالم يصفق، أو يصمت، أو يُشارك.
لنخلص إلى أنه، لا شيء يليق بهم سوى هذا الوصف المختصر:
ثلاثة معاتيه… لا عقل لدى أي منهم.
لكن الخطر، كل الخطر، حين يتحول الجنون إلى سياسة… ويصبح المهرجون العالميون هم من يملكون أزرار القرارات.!