الإصلاح في اليمن: حين يتحول الإخوان المسلمون إلى دولة موازية
منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي تقدم حزب الإصلاح الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن إلى المشهد السياسي باعتباره شريكًا في بناء الديمقراطية الناشئة بعد الوحدة اليمنية إلا أن مسيرة الحزب وتحولاته الفكرية والسياسية وانخراطه في مؤسسات الدولة ثم تفكيكه لها لاحقًا كشفت عن مشروع يتجاوز مجرد المنافسة السياسية إلى السعي نحو الهيمنة الكاملة على الدولة والمجتمع واستثمار الدين بوصفه أداة للسلطة لا للهداية
تشكل خطاب حزب الإصلاح من توليفة بين السلفية الحركية الإخوانية والقبيلة فأنتج فكرًا دينيًا متشددًا لا يقبل بالتعدد وسرعان ما تحوّل هذا الخطاب إلى أداة إقصائية استُخدمت لتكفير الخصوم واتهام اليساريين والليبراليين بالزندقة ثم استهداف الطوائف الزيدية والإسماعيلية بوصفهم روافض وخارجين عن السنة وقد ساهمت منابر المساجد والمناهج المدرسية والإعلام الحزبي والدورات التعبوية في صناعة بيئة ثقافية ترفض الآخر وتعادي التنوع ما مهد لاحقًا لصعود جماعات أكثر تطرفًا
بعد العام ٢٠١١ تمكّن الإصلاح من التغلغل في مؤسسات الدولة خاصة في الأجهزة العسكرية والقضائية ووزارات التربية والإعلام والسلطات المحلية ولم يكن ذلك من أجل الإصلاح كما يوحي اسمه بل لإعادة تشكيل الدولة على أسس حزبية وأيديولوجية وتم إقصاء الكوادر الوطنية التي لا تنتمي للحزب أو التي لا تنصاع لمشروعه وتعيين آلاف الموظفين الموالين له فيما استخدمت الفتاوى والفتاوى المضادة لتبرير كل انقلاب داخل الجهاز البيروقراطي
وفي الميدان انسحبت القوات الموالية للإصلاح من جبهات مفصلية كما حدث في نهم والجوف والبيضاء في لحظات غريبة من الصمت العسكري ما سمح للحوثيين بتحقيق اختراقات كبرى وفجّر تساؤلات عن حقيقة نوايا الحزب وهل كان يرى في الحوثي وسيلة لتصفية خصومه التقليديين في القوى الجمهورية
من أخطر أوجه مشروع الإصلاح هو صمته أو تواطؤه تجاه الجماعات المتطرفة فقد احتضنت بعض قياداته شخصيات متشددة وأشير إلى صلات وثيقة بين شخصيات إصلاحية بارزة وتنظيم القاعدة في شبوة والبيضاء بل إن تقارير دولية منها تقرير مجلس الأمن وثّقت تعاونًا ميدانيًا بين وحدات من الجيش الوطني الخاضع لنفوذ الإصلاح وعناصر من القاعدة خصوصًا في مناطق المواجهة مع القوات الجنوبية وقد كانت الجامعات الدينية مثل جامعة الإيمان والكتاتيب التابعة للحزب بيئة خصبة للتعبئة الجهادية ما أنتج تقاطعًا خطيرًا بين التنظيم السياسي والحركي الجهادي
الجانب الآخر من مشروع الهيمنة تمثّل في استهداف المكوّن الهاشمي بشكل خاص عبر ربطه المستمر بالإمامة واستغلال هذا الربط لتبرير الإقصاء الوظيفي والسياسي بل والتحريض على الاستئصال الرمزي والاجتماعي مئات الكوادر الهاشمية كثير منهم جمهوريون ووطنيون أُقصوا من مناصبهم بسبب خلفيتهم العائلية فقط وقد غذّى هذا التمييز خطاب الحوثيين الذين قدموا أنفسهم كحماة لهذا المكوّن واستثمروا في المظلومية المذهبية ما فاقم الانقسام الوطني وأعطى الحرب بعدًا طائفيًا خطيرًا
المشكلة في الإصلاح لا تكمن فقط في أخطائه السياسية بل في بنيته الفكرية التي تضع الجماعة فوق الوطن والدعوة فوق الدولة والولاء العقائدي فوق الدستور ولهذا فشل في التحول إلى حزب مدني رغم انخراطه الطويل في العمل البرلماني والحكومي بل إن ممارساته خلال مرحلة ما بعد الثورة ثم خلال الحرب كشفت أن مشروعه لا يختلف جوهريًا عن المشاريع التي يتظاهر بمحاربتها كالحوثية إذ يشترك معها في تسييس الدين والهيمنة الطائفية واستغلال مؤسسات الدولة لتكريس سلطة أيديولوجية
لقد حان الوقت لمراجعة الدور الذي لعبه حزب الإصلاح بما يمثله من امتداد لجماعة الإخوان في إيصال اليمن إلى هذا الوضع الكارثي ولا يمكن لأي مشروع وطني أن ينهض دون تفكيك خطاب الكراهية ومحاسبة القوى التي استخدمت الدين كأداة للهيمنة وكشف الغطاء السياسي عن التيارات التي تبنت خطابًا إقصائيًا وتحالفت مع العنف والتكفير إن بناء يمن جديد يتطلب شجاعة المواجهة لا المجاملة والوضوح في تسمية المتسببين لا التهرب تحت عباءة المصالحة
* سفير بوزارة الخارجية