اليمن في ظل تعدد البنادق وتعثر المصالحة
يشكل ملف السلاح في اليمن أحد أبرز التحديات أمام أي مشروع لبناء الدولة أو تحقيق المصالحة الوطنية إذ لا تقتصر القضية على وجود جماعة مسلحة خارجة عن الدولة بل تتعداها إلى واقع معقد تتوزع فيه القوة بين أطراف متعددة
يحمل كل منها تصورًا مختلفًا لمستقبل البلاد ويرتبط كثير منها بعلاقات إقليمية تؤثر في قراراته وموقعه من أي تسوية محتملة وهو ما يجعل مقولة نزع السلاح بالقوة أقرب إلى وصفة للفوضى لا طريقًا لبناء السلام ..
يرفض أنصار الله أي محاولة لانتزاع سلاحهم بالقوة معتبرين أن هذا السلاح كان وما يزال وسيلة للدفاع عن النفس والسيادة في وجه عدوان خارجي وداخلي ..
ويرون أن أي حديث عن حصرية السلاح بيد الدولة لا يمكن أن يكون مقبولًا إلا في إطار تسوية سياسية شاملة تضمن الشراكة والعدالة وتعيد بناء مؤسسات الدولة بعيدًا عن التبعية والهيمنة ..
وفي هذا السياق برزت مؤخرًا مبادرة سلطان السامعي عضو المجلس السياسي الأعلى التي دعت إلى مصالحة وطنية شاملة وعودة كل الأطراف إلى طاولة الحوار ..
وهي مبادرة اكتسبت أهمية خاصة لأنها تؤكد وجود أصوات داخل أنصار الله ترفض حالة التجميد السياسي التي تشهدها الجماعة في علاقتها بالأطراف الوطنية وتنتقد الانسداد القائم في مسار الحوار مع القوى الإقليمية ..
ما يعكس إدراكًا متناميًا لضرورة كسر الجمود والانفتاح على حل سياسي جامع ..
الجيش اليمني الرسمي لا يمتلك اليوم الهيكل المتماسك الذي يجعله أداة جامعة بل إن جزءًا كبيرًا من تشكيلاته بات خاضعًا لسلطات أمر واقع مناطقية أو حزبية أو خارجية ..
فهناك قوات تابعة للشرعية في مارب وتعز محسوبة على حزب الإصلاح وأخرى مرتبطة بالعميد طارق صالح في الساحل الغربي تحت مسمى المقاومة الوطنية ..
ولكل منها مصادر تمويل وتسليح مختلفة وتوجهات سياسية متباينة ما يعمق من التصدع الداخلي في المؤسسة العسكرية ..
ألوية العمالقة التي برزت بقوة في معارك الساحل الغربي وجنوب اليمن تعد من أبرز التشكيلات العسكرية خارج هيكل الدولة ويرتبط دعمها وتمويلها بشكل وثيق بالإمارات وقد أصبحت عنصرًا فاعلًا في موازين القوى الميدانية خاصة في شبوة والساحل الغربي ..
لكنها في ذات الوقت لا تخضع للسلطة المركزية ولا تنسجم بالضرورة مع رؤى بقية التشكيلات التابعة للشرعية مما يعكس حالة التعدد الأمني والعسكري الذي يعطل مشروع الدولة ويهدد وحدة القرار ..
في المقابل ظهرت مؤخرًا تشكيلات مسلحة جديدة تحت مسمى درع الوطن بدعم سعودي مباشر وتنتشر في مناطق جنوبية وشرقية ضمن استراتيجية سعودية لإعادة التوازن في المشهد الميداني لكنها تثير مخاوف من تعميق الانقسام بدلًا من معالجته ..
خاصة في ظل غياب رؤية وطنية موحدة لدمج هذه التشكيلات في إطار الدولة واستمرار تضارب الأجندات بين السعودية والإمارات في الملف اليمني ..
إن مستقبل المصالحة الوطنية في اليمن مرهون بتوافق داخلي حقيقي على مشروع الدولة وليس بمجرد تفاهمات شكلية تكرس تقاسم النفوذ ..
فالحل لا يكمن في نزع السلاح بالقوة بل في توفير بيئة سياسية عادلة تعيد بناء المؤسسات على أسس وطنية وتمكن من دمج تدريجي ومنظم للتشكيلات المسلحة ضمن جيش وطني يعكس التنوع اليمني ويخضع للسلطة المدنية ..
ويحتاج ذلك إلى دعم إقليمي صادق وإرادة داخلية تتجاوز منطق الغلبة والهيمنة وتشجع المبادرات الوطنية الجادة التي يمكن البناء عليها كمدخل لإعادة إطلاق مسار سياسي شامل يضع حداً للجمود ويؤسس لمصالحة مستدامة ..
* سفير بوزارة الخارجية