الدبلوماسية اليمنية وتحديات التداول الوظيفي
من خلال عملي ومتابعتي الدقيقة لما يجري داخل وزارة الخارجية اليمنية طيلة السنوات الماضية اصبحت على قناعة راسخة بان استمرار وكيل الوزارة للشؤون المالية والادارية في منصبه لاكثر من اربعة عشر عاما لم يكن مجرد صدفة ادارية بل نتيجة منظومة محكمة حرص خلالها على هدم كل القوانين واللوائح التي تنظم العمل المؤسسي داخل الوزارة ..
لم يكن مجرد موظف حكومي يؤدي واجباته بل تحول مع الوقت الى ما يشبه الحاكم المطلق داخل الوزارة يتصرف بكل شيء دون الرجوع لاي مرجعية ادارية ويتجاوز الوزراء المتعاقبين دون ان يلتفت اليهم او يتأثر بتوجهاتهم ..
ثمانية وزراء خارجية تغيروا منذ توليه المنصب والنتيجة واحدة الوكيل هو من يبقى وهو من يقرر وهو من يدير كل شيء ومن هنا اصبح كثير من موظفي الوزارة لا يهتمون بمن هو الوزير القادم بل يركزون كل جهودهم لارضاء الوكيل الحاكم بامره ..
خلال هذه الفترة استطاع الوكيل ان يبني شبكة واسعة من العلاقات داخل السلك الدبلوماسي تضم اشخاصا يدينون له بالولاء الكامل بعضهم يتمسك بموقعه الدبلوماسي بفضل هذه الحماية ..
والبعض الاخر بات جزءا من مصالح مالية مشتركة معه تتعلق بالمستحقات والتحويلات والبدلات الخاصة التي يتم تدويرها بين السفارات ..
المؤسف انني لاحظت شخصيا كيف اصبح حتى بعض الاصدقاء والزملاء داخل الوزارة في موقع الدفاع المستميت عن الوكيل ..
وكلما تحدثت عن ملفات الفساد والانحراف الاداري والمالي التي يديرها وجدتهم اول من يبرر له ويدافع عنه والاسباب واضحة للجميع حماية مواقعهم او مصالحهم او رغبتهم في البقاء ضمن دائرة الامتيازات ..
اليوم لم يعد السؤال من هو الوزير ولا ما هي رؤية الوزارة بل اصبح السؤال الحقيقي كيف يمكن تفكيك هذا النفوذ الفردي الذي حول مؤسسة سيادية الى مساحة خاصة وادارة لا تخضع لاي قانون ..
انني اكتب هذا النص وانا ادرك جيدا حجم الجدار الصلب الذي بناه وكيل الوزارة حول نفسه لكنني مؤمن ايضا ان الصمت جريمة وان التواطؤ مع الفساد هو خيانة اكبر من الفساد ذاته ..
وزارة الخارجية لا يمكن ان تستعيد دورها ومكانتها ما لم يتم فتح هذا الملف بشجاعة وبصراحة ووقف حالة الاستلاب الاداري التي حولت الوزارة الى مؤسسة مشلولة يمر عبرها المال والنفوذ والمصالح دون رقابة ولا مساءلة .. ..
* سفير بوزارة الخارجية