هذه ثقافة عبيد لا أحرار!!
على مدى أكثر من ثلاثة عقود في ألمانيا، لم أسمع صحفيًا أو متعلمًا أو مثقفًا يمدح موظف دولة – مهما علا منصبه أو صغُر. لا أحد يدافع عنهم أو يسوّق لهم؛ فهم يتقاضون رواتب مقابل عملهم وإن أحسنوا يتم تجديد عقد العمل.
على سبيل المثال، المستشار الألماني كول الذي وحّد ألمانيا تعرّض للاعتداء العلني بسبب فضيحة تبرعات. بعد ذلك، مُنع من إلقاء خطب الوحدة الألمانية. المستشار الألماني شريدر، صاحب الطفرة الاقتصادية، تلقّى لكمات أيضًا
في وجهة بعد أن فقد مواطن عمله بسبب سياساته الاقتصادية والاجتماعية التي أحدثت طفرة انتعاش. حتى المستشارة ميركل، أقوى امرأة في العالم لاكثر من عقد من الزمان،
لم يعد أحد يهتم لها بعد انتهاء ولايتها والتي صنعت مكانة سياسية لالمانية الاوروبية كمحرك في قلب اوروبا والعالم الحر.
لم يشفع لأي منهم إنجازاته والتي جعلت المانيا قاطرة اوروبا ومحركها وماهي عليه، ولم يظل الشعب يمجدهم أو يبالغ في مدحهم وتقديسهم وصناعتهم كأصنام نعبدها برغم عملهم وأثرهم.
وظائفهم لها أجر محدد، ومجتمعهم لا يسمح لهم بأن يمنّوا على الناس أو يطلبوا التخليد والإشادة بمجرد تأديتهم واجبهم، ولم نعرف حتى أسرهم او انهم استغلوا اي مفصل في الدولة لخدمتهم.
هنا تشعر أن موظفة التنظيف وموظف البقالة له مكانته مثل اي شخص مهم في الدولة والجميع احرار يقف كل شخص في الطابور بمكانه.
فهل إذا اشتريت كيس بطاطا من البقالة ستقوم بمدح صاحب البقالة على "ذكائه" أو أنّه "بحجم الوطن"، وتطالب بالتقاط صور معه وتنشرها في الفيس بوك وكأنه انجاز لك ؟ .
هذا أمر يُضحك ويهين كرامة الإنسان! التزلف والتملق لمسؤولي الدولة أو النظام السابق أو لزعماء المليشيات أو اسرهم لا يعكس إلا نقص الكرامة وينم عن عبودية ذهنية وحط من منزلة الوطن.
هذا السلوك يجعل الكثير مع مرور الوقت يضع لجاماً على فمك، وبعدها سرجاً على ظهرك ولا يمكن تحرير عبوديتك فيما بعد.
نحن وصل بنا الحال برغم أننا مشردين في الشتات وفقراء في الداخل بسبب طيش وفشل من هم في المشهد ومن عقود إلى الاستبسال في مديح حتى زعماء المليشيات، وتكوين مراكز إعلامية تلمّع أخطاءهم وانحرافاتهم والدفاع عن مشاريع فاشلة والسعى لاعادة انتاجها ،
بينما البلد في أسوأ أوضاعه الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية والاجتماعية؛ إذ لا يتقدمنا في الفشل سوى ثلاث دول من أصل ١٥٧،
ومع ذلك لا نزال نلمّع الأحذية ونكوّن جبهات إعلامية لتبرير أفعالهم اي نحن في نهاية القائمة في كل المؤشرات بين البشر بسبب من تمدحونهم .
الأمانة تقتضي أن يخجل المتعلم من سلوكيات التقرب والتزلف لسلطة أو مسؤولي دولة او اسرهم استغلوا مناصبهم ليرتقوا على ظهوركم او لسلطة فاشلة او كانت سبب في كوارث البلد.
نحن بسببهم بلد منهار في كل المجالات. الوطن خسر مرارًا فرص النهوض والازدهار كالتي حظيت بها أمم مثل ماليزيا؛ نحن لسنا أقل منهم، لكن من يحكم ويتصدر المشهد اليمني ليسوا أهلاً لذلك.
انشغلوا كطبقة متعلمة ومجتمع بالدفاع عن برامج وأفكار ومشاريع حقيقية، وكونوا قدوة أمام أبنائكم. اليمن كان باستطاعته أن يكون من أهم الدول في المنطقة، لكننا بسبب الاستمرار في صناعة الأصنام وتلميع الفاشلين خسرنا كل فرصة ممكنة.
وفي النهاية، تذكّروا أننا في خراب وصراع وانهيار ومعاناة وفقر بسبب من هم في المشهد ومن عقود وأنكم، بكثرة التطبيل والجهود المهدورة، تشاركون في صنع هذا الواقع المر ولعقود قادمة.
وكما يُقال إذا وجدت نفسك في حفرة وتريد الخروج منها، فتوقف عن مواصلة الحفر.
بمعنى أما منهج جديد او العبث كون الماضي لن يعود ولا نظامه، فقد أصبح الوطن مثقلاً بجرائم الاغتصاب السياسي والفساد، حاملاً في أحشائه توأمًا متعددًا، كل طرف يريد الاستئثار به مهما كان الثمن.