هجوم باب المندب.. اختبار حوثي قد يغير استراتيجية واشنطن
تحوُّل جديد تشهده المواجهة بين الحوثيين والقوات البحرية الأمريكية، بعد استهداف الجماعة المدعومة من إيران، مدمرات أمريكية أثناء عبورها مضيق باب المندب، وحديثها عن استهداف حاملة طائرات في البحر العربي.
القيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم" كشفت، في بيان لها الأربعاء (13 نوفمبر)، تفاصيل الاشتباك الذي وقع الثلاثاء بين مدمرات وطائرات تابعة للجيش الأمريكي، وصواريخ ومسيّرات تابعة لجماعة الحوثي، مشيرةً إلى أنه تم التصدي للهجوم وإحباطه.
جماعة الحوثي تحدثت عن استهداف مدمرتين أمريكيتين في البحر الأحمر، وحاملة طائرات أمريكية في البحر العربي، في عملية استباقية، فهل يدفع هذا الهجوم الولايات المتحدة إلى تغيير استراتيجيتها تجاه الجماعة في اليمن؟
باب المندب
حتى وإن لم يكن هناك أضرار، فإن هجوم الحوثي المباشر على المدمرات الأمريكية يشكل تطوراً لافتاً في الصراع البحري المستمر منذ (نوفمبر 2023)، كما أنه يفتح الباب أمام مزيد من التصعيد بالقرب من أحد أهم مضايق العالم.
وفي بيان تلاه المتحدث الرسمي باسم الجماعة، أعلن يحيى سريع عن عمليتين عسكريتين، استهدفت الأولى حاملة الطائرات الأمريكية "يو إس إس أبراهام لينكولن"، بعدد من الصواريخ المجنحة والطائرات المسيرة، في حين استهدف الهجوم الثاني مدمرتين أمريكيتين في البحر الأحمر بعدد من الصواريخ الباليستية والمسيرات.
الجيش الأمريكي، ممثلاً بالقيادة المركزية الأمريكية، قال إن المدمرات "يو إس إس ستوكدايل"، و"يو إس إس سبروانس"، إلى جانب طائرات من القوات الجوية والبحرية الأمريكية، تصدت لهجمات شنها الحوثيون أثناء مرورها من باب المندب.
وبحسب البيان الأمريكي، فإنه تم التصدي لـ"8 طائرات مسيّرة انتحارية، و5 صواريخ باليستية مضادة للسفن، و4 صواريخ كروز مضادة للسفن"، دون وقوع أضرار أو خسائر في صفوف الأفراد أو المعدات الأمريكية.
هجوم استباقي
زعيم جماعة الحوثي، عبد الملك الحوثي، قال في خطاب له يوم الخميس (14 نوفمبر)، إن الهجوم على حاملة الطائرات والمدمرات الأمريكية تم أثناء تحضيرها لتنفيذ أكبر عملية جوية على اليمن، ليل الثلاثاء (12 نوفمبر).
القيادة المركزية الأمريكية بدورها لم تؤكد أو تنفِ تعرض حاملة الطائرات أبراهام لينكولن لهجوم كما أعلن الحوثيون، واكتفت بتأكيد نبأ تعرض مدمرتين للهجوم في باب المندب.
وكان الحساب الرسمي للقيادة المركزية على منصة "إكس" نشر، الثلاثاء، مشاهد لانطلاق طائرات حربية من على متن حاملة الطائرات "أبراهام لينكولن" لضرب مواقع الحوثيين في مناطق سيطرة الجماعة في اليمن.
ضربات دقيقة
هذا المستوى من التصعيد بين الحوثيين المدعومين من إيران، وبين الجيش الأمريكي، يأتي بعد سلسلة ضربات دقيقة نفذها الجيش الأمريكي على مخازن أسلحة للحوثيين، شاركت فيها قاذفات استراتيجية في مناطق عدة شمال ووسط اليمن.
وعلى مدى أسبوع، أكدت جماعة الحوثي قيام الطائرات الأمريكية بقصف أهداف للجماعة في مدينة صنعاء، وضواحيها، وعمران والحديدة، وكذلك البيضاء ومناطق أخرى تحت سيطرة الجماعة.
من جانبها، قالت القيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم"، في بيانها الصادر الأربعاء، إن الجيش الأمريكي نفذ ضربات دقيقة على عدة منشآت لتخزين الأسلحة في مناطق خاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين خلال يومي 9 و10 نوفمبر الجاري.
وبحسب البيان الأمريكي، فإن تلك المنشآت تحوي أسلحة تقليدية متقدمة، يستخدمها الحوثيون لاستهداف السفن العسكرية والمدنية الأمريكية والدولية في البحر الأحمر وخليج عدن، مشيراً إلى أن الضربات تمت بالاشتراك بين قوات من سلاح الجو والبحرية الأمريكية، بما في ذلك طائرات "إف 35 سي".
مرحلة جديدة
الهجمات الحوثية الأخيرة، والضربات الأمريكية، تمثل عنواناً لفصل جديد من المواجهة البحرية المستمرة منذ أكثر من عام، وهي تعكس، وفق تقارير أمريكية، فشلاً للاستراتيجية التي يتبعها البيت الأبيض في التعامل مع المخاطر التي يفرضها الحوثيون في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
ويرى خبراء عسكريين ، أن هذا الهجوم الذي نفذه الحوثيون يعتبر نوعياً من الناحية العسكرية، لافتاً إلى أنه عادة ما تكون حاملة الطائرات الأمريكية مزودة بنظام دفاعي جوي وبحري معقد جداً.
وأضافوا ، أن تلك الحاملات قادرة على رصد الأهداف الجوية على بعد مئات الكيلومترات، إضافة إلى امتلاكها نظام مراقبة بحرياً يصل لعشرات الكيلومترات؛ ما يمنحها مجالاً لإعطاء إنذار مبكر، وتفعيل الدفاعات للتصدي لتلك التهديدات وتحييدها.
وأشاروا إلى أن هذا يعتبر عملاً عسكرياً معقداً من قبل الجماعة المدعومة من إيران، لافتاً إلى أنها سبق أن تمكنت من اختراق منظومات "إسرائيل" الدفاعية من خلال الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية.
رمزية كبيرة
يعتقد الخبراء أن الهجوم على حاملة الطائرات أبراهام لينكولن يمثل رمزية كبيرة، "إذ يعني أن القطع الحربية الأمريكية في بحر العرب والبحر الأحمر أصبحت مستباحة من قبل الحوثيين، وسيتم استهدافها بدون أي تردد أو حسابات لعواقب هذا الهجوم".
كما هذا الهجوم يدل على أن الحوثيين ذاهبون بالتصعيد إلى أبعد حد ممكن، وهي رسالة للقيادة السياسية والعسكرية الأمريكية، أن الجماعة على أهبة الاستعداد للمواجهة.
هناك ارتباط وتنسيق بين تلك الهجمات وبين التصعيد في لبنان وغزة، ضمن "وحدة الساحات"، كما أن هذه الضربة تزامنت مع إعلان الكيان الصهيوني الانتقال إلى المرحلة الثانية من الهجوم البري، وبقيام "حزب الله" بقصف مقر وزارة الحرب الإسرائيلية في تل أبيب.
الحوثيون يتوقعون أن أمريكا في هذه الفترة الانتقالية، تريد توجيه ضربات موجعة لهم، وهذا ما أكدته التصريحات الأخيرة، حول أن حاملة الطائرات "لينكولن" كانت تستعد لتنفيذ عمل ضد الجماعة فقاموا هم بهجوم استباقي، وهو أمر غير مستبعد.
ويرى الخبراء أن القيادة العسكرية الأمريكية ربما قررت أن تتبع استراتيجية الاغتيالات وانتقاء الأهداف التي تمس قيادات الحوثيين العليا، كما فعل الإسرائيليون باستهداف قيادات "حزب الله".
- التصعيد قادم؛ لأن أمن البحر الأحمر ليس مقتصراً على بقعة جغرافية معينة، بل هو أمن العالم أجمع، وهكذا تنظر الإدارة الأمريكية لموضوع الحوثيين.
- حتى لو كان هناك تهدئة على جبهة "حزب الله" أو غزة، فإن أمريكا وبريطانيا وألمانيا و"إسرائيل"، وبعض الدول العربية، لا يمكن أن تقبل أن يكون بحر العرب وباب المندب منطقة تحت التهديد مستقبلاً.
- إدارة بايدن أرادت تسليم ملف بحر العرب والبحر الأحمر وباب المندب للإدارة القادمة، وهو ملف ملتهب، لتقوم إدارة ترامب بإنهاء هذا الملف ومعالجته.
- أعتقد أن السيناريو المحتمل في البحر الأحمر، ألا تبقى قواعد الاشتباك التي تعودنا عليها خلال عام، أو أن يتم التوصل إلى هدنة مع الحوثيين بالذات، بمعنى أن أمريكا لا تريد أن تبقي ملف بحر العرب والبحر الأحمر رهينة بيد الحوثيين أو بيد إيران.
- الإدارة الأمريكية القادمة ستنظر إلى جبهة الحوثيين كتهديد قائم ومستمر لا بد من إنهائه؛ بسبب تأثيره على الاقتصاد الأمريكي، وخطة ترامب لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين الأمريكيين.
تشكيل تحالف
وحول موقف ترامب من ملف الحوثيين، يرى الخبراء أنه سيكون أكثر تشدداً في معالجة الأمر، إلى جانب أن "هناك دولاً عربية مثل مصر، متأثرة بشكل مباشر من عمليات الجماعة، ومن ثم فهي حريصة على إنهاء التهديد، وكذلك السعودية والإمارات".
وأضافوا:
- التصعيد في البحر الأحمر قادم، والنظرة إليه ليست كالنظرة إلى جنوب لبنان أو غزة مع الكيان الصهيوني في هذه المرحلة؛ لأن هذا الأمن يعتبر أمناً عالمياً.
- ترامب لا يريد توريط قوات أمريكية في ملف اليمن، لكون الجماعة دوامة استنزاف لمن يدخل في مواجهة معها، ومن ثم فترامب سيدفع باتجاه إنشاء حلف جديد، تدخل فيه دول عربية خليجية، وعلى رأسها السعودية وكذلك مصر، ليقوموا بتأمين حرية الملاحة والحركة في البحر الأحمر.
- هذا يعني أن الحوثيين سيدخلون في مواجهة مع دول عربية أخرى في حال تعرضوا لهجوم منها.
- الحوثيون قادرون على توجيه ضربات قاسية لهذه الدول، ولديهم أوراق لم يستخدموها لغاية الآن، في جيبوتي والصومال، لإشعال جبهات أخرى ضد القواعد الأمريكية في المنطقة، وتحديداً في جيبوتي والصومال والقرن الأفريقي، وكذلك القواعد المصرية والإماراتية، وجميعها ستكون أهدافاً للجماعة في المرحلة المقبلة.
إبراهيم شاكر - الخليج أونلاين