
المباحثات السعودية - الأمريكية.. قراءة في الأبعاد الخفية والتداعيات المحتملة
وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس الاثنين، الاجتماع الأمريكي الروسي في السعودية على مستوى وزيري الخارجية بـ"الرائع".
جاء ذلك خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه بنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، في البيت الأبيض بالعاصمة واشنطن.
ورداً على سؤال قدمته قناة "العربية" السعودية، فيما إذا كان سيلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هناك حتى لو لم يكن هناك اتفاق في الملف الأوكراني، لم يجب عن السؤال، لكنه قال إنه يعتقد أن الاجتماع في المملكة العربية السعودية "كان رائعاً"، في إشارة إلى الاجتماع الأمريكي الروسي الأخير.
وأضاف أنه التقى سابقاً بولي العهد الأمير السعودي محمد بن سلمان، ورأى أنه "شاب رائع يتمتع برؤية ثاقبة ويحظى باحترام كبير في جميع أنحاء العالم".
كما تابع أن ولي العهد ينفذ رؤية الملك بـ"طريقة مذهلة"، مضيفاً: "أنا صديق لكليهما".
وأكد أن الملك وولي العهد يريدان أن يروا نهاية للحرب في أوكرانيا، ويبذلان قصارى جهدهما للتأكد من انتهائها.
كذلك اعتقد أن روسيا على نحو مماثل تريد إنهاء الحرب، لافتاً إلى أنه تحدث إلى الرئيس بوتين والمسؤولين في إدارته يتعاملون معه باستمرار.
واحتضنت السعودية، الثلاثاء الماضي، اجتماعاً على مستوى وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة يهدف إلى إصلاح العلاقات المتوترة بين البلدين، والتباحث بشأن سبل وقف الحرب في أوكرانيا.
المباحثات السعودية - الأمريكية.. قراءة في الأبعاد الخفية والتداعيات المحتملة
وفي السياق يجري وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان مباحثات في واشنطن مع نظيره الأمريكي في إدارة ترامب، في لقاء يحمل بين طياته دلالات سياسية وعسكرية عميقة، خصوصًا مع مشاركة رئيس الأركان السعودي والسفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر.
إن مشاركة السفير السعودي في هذه المباحثات تحديدًا تفرض علينا التوقف والتساؤل:
لماذا يأتي حضوره في اجتماع عسكري رفيع المستوى بين الرياض وواشنطن؟
ولماذا تتزامن هذه الزيارة مع بدء سريان العقوبات الأمريكية على مليشيات الحوثي؟
إن توقيت الزيارة ومشاركة آل جابر، المعروف بأنه "عرّاب التنازلات" لصالح مليشيات إيران في اليمن، يعيدان إلى الواجهة الدور الحقيقي للسعودية في الملف اليمني، لا سيما أن السفير آل جابر لعب دورًا محوريًا في انتزاع مكاسب سياسية للحوثيين، وإضعاف الحكومة الشرعية، بل كان من أبرز مهندسي الانقلابات ضد الرئيس هادي في عدن.
•• السعودية والحوثيون: هل تتوسط الرياض لدى واشنطن لتخفيف العقوبات؟
خلال الأشهر الماضية، وقف السفير السعودي ضد كل القرارات السيادية التي اتخذتها الحكومة الشرعية لمواجهة المليشيات الحوثية، وكان آخرها قرارات البنك المركزي، حيث تدخل لإجهاضها خدمةً للمليشيات. ولم يكن هذا التدخل الوحيد، فقد دفع بقوة لتمكين الحوثيين من السيطرة على أربع طائرات تابعة للخطوط الجوية اليمنية، في خطوة تمثل سابقة خطيرة في دعم قدرات الحوثيين الاقتصادية والسيادية.
لكن السؤال الأهم هنا: لماذا يشارك السفير السعودي في مباحثات واشنطن؟
أحد الدبلوماسيين سبق أن أبلغني بأن جماعة الحوثي طلبت من السعودية التدخل لدى الأمريكيين لتخفيف العقوبات، أو على الأقل تأجيل تنفيذها.
في هذا السياق، أشارت إحدى الصحف البريطانية مؤخرًا إلى وجود هدنة غير معلنة بين الحوثيين والأمريكيين بوساطة إحدى الدول.
شخصيًا، لا أستبعد أن تلعب السعودية دور الوسيط لصالح الحوثيين، سواء عبر محاولة رفع العقوبات أو تأجيلها، خاصة أن السياسة السعودية في اليمن منذ 2017 شهدت تحولًا دراماتيكيًا، حيث انتقلت من دعم استعادة الدولة وهزيمة الحوثيين، إلى تبني مخطط الإطاحة بالرئيس هادي ونائبه محسن، ثم التعايش مع الأمر الواقع الذي فرضته إيران.
•• تواطؤ سعودي أم استراتيجية مدروسة؟
هذا الطرح ليس تكهنًا ولا استنتاجًا متسرعًا، بل حقائق قائمة على معطيات ملموسة.
خلال معارك محافظة الجوف، التقيت بوزير الدفاع اليمني الذي كان الإحباط يكسو ملامحه بسبب حجم الخذلان. وعندما سألته عن دور التحالف في دعم الجيش، اكتفى بإعطائي خطابًا عاجلًا أرسلته وزارة الدفاع إلى رئيس القوات المشتركة للتحالف، يطالب فيه بزيادة حجم تدخل الطيران، وتسريع تقديم الدعم اللوجستي.
لكن الرد السعودي كان بمثابة الصدمة الكبرى.
رئيس القوات المشتركة للتحالف كتب بيده جملة لا تحتاج إلى تأويل:
"حياكم الله، بلادكم دافعوا عنها بكل ما تستطيعون، أما المملكة فستتعايش مع الجنوب كما تعايشت مع شمال المملكة."
عندما قرأت الرد، أدركت أن المملكة قد قررت التعايش مع نفوذ إيران في اليمن، كما فعلت في العراق.
اليوم، كل الشواهد تؤكد أن تحرير اليمن من الاحتلال الإيراني لم يعد ضمن السياسة السعودية، وأن المعركة باتت معركة الشعب اليمني وجيشه والمقاومة فقط.
لكن القيادة اليمنية ظلت تدفن رأسها في الرمال، مراهنةً على تغيير موقف المملكة، وانتظار أن تعود لتبني خيار الحسم العسكري.
•• اليمن على شفير الهاوية.. والمخرج الوحيد
نحن اليوم أمام منعطف مصيري خطير، حيث بات اليمن بكل مكوناته على حافة السقوط في الهاوية.
الإصرار السعودي على المضي في مسار الحل السياسي، وفرض "خارطة الطريق" التي تتمسك بها الرياض، ليس مجرد سياسة عشوائية، بل جزء من مخطط طويل الأمد، لم يكن الإطاحة بالرئيس هادي سوى محطة ضمنه.
لكن رغم ذلك، المعادلة اليوم تغيرت، وخارطة الطريق التي تحاول السعودية إحياءها قد ماتت ولن يُبعث فيها الحياة من جديد.
اليمن يدخل عامه الـ 21 من حرب التمرد والانقلاب، والحقيقة الثابتة التي يجب أن يدركها الجميع هي أن الحرب لن تتوقف إلا بهزيمة إيران وتحرير اليمن بالكامل.
ندرك تمامًا ما الذي يريده المحيط الإقليمي منا، ونعلم أهدافه الحقيقية، وسنتعامل مع هذه المعطيات بما يعزز معركة التحرير.
اليوم، بات من الضروري أن نعيد ترتيب أولوياتنا الوطنية، ونتمسك بمصالحنا بعيدًا عن حسابات الآخرين.
رسالة إلى السفير السعودي.. وقراءة في كواليس المفاوضات
على السفير السعودي محمد آل جابر أن يدرك أن "قطار إسقاط اليمن في قعر الجحيم وتسليمه لإيران" قد وصل إلى محطة التوقف الإجباري.
أما تلك المفاوضات الجارية في واشنطن، والتي أراها بعين التشاؤم، فإنني أدعو الجميع للتعمق في تفاصيلها، لأن كواليسها ستكشف مزيدًا من حقائق الخديعة الكبرى التي تمارسها السعودية في اليمن.
المعركة الحقيقية اليوم لم تعد فقط ضد الحوثيين، بل ضد كل من يسعى لفرض واقع يخدم النفوذ الإيراني، سواء عن قصد أو عن جهل.
ولن يكون هناك أي سلام حقيقي، ما لم تُكسر هذه المعادلة، وتُستعاد صنعاء بقرار يمني خالص، بعيدًا عن تدخلات من لا يريد لليمن أن يتحرر.