
ما تبعات قرار واشنطن إدارج الحوثيين في لائحة الإرهاب؟
تبنى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نهجاً أكثر صرامة تجاه الحوثيين في اليمن بإعادتهم، فور توليه منصبه في يناير الماضي، إلى التصنيف الأكثر تقييداً في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية (FTO)، والذي دخل حيز التنفيذ في 4 مارس الجاري.
وتثار المخاوف بشأن احتمالية أن يكون للتصنيف عواقب سلبية، سواء على عملية السلام في اليمن، أو عرقلة جهود ومساعي الوساطة الأممية التي لم تنجح على مدار 10 أعوام في إنهاء الحرب، فضلاً عن العواقب الإنسانية بحق اليمنيين.
وينص القانون على معاقبة أي جهة قد تتعامل مالياً مع الحوثيين، ومن ضمنها المنظمات الدولية العاملة في اليمن.
وجاء القرار رداً على هجماتهم على الشحن التجاري في البحر الأحمر وعلى سفن حربية أمريكية معنية بالدفاع عن هذا الممر المائي الهام، فما تبعات هذا القرار المتوقعة؟ وهل يلحقه عمل عسكري ضد المليشيا؟
قرار صارم
تعد الحرب المستمرة في اليمن منذ 2014، وتهديدات الحوثيون للملاحة في البحر الأحمر، أحد أهم الملفات المتداولة على طاولة الإدارة الأمريكية.
وفي خطوة مبكرة فاجأت الجميع بإعلانها، أعلن البيت الأبيض (23 يناير 2024) أن الرئيس ترامب، الذي تولى السلطة في 21 يناير، قرر إدراج الحوثيين على قائمة "المنظمات الإرهابية الأجنبية".
وذكر البيت الأبيض في بيان له حينها أن "أنشطة الحوثيين تهدد أمن المدنيين والموظفين الأمريكيين في الشرق الأوسط، كما تهدد أقرب شركائنا الإقليميين واستقرار التجارة البحرية العالمية"،
موضحاً أن سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة تتمثل في "التعاون مع شركائنا الإقليميين للقضاء على قدرات وعمليات الحوثيين، وحرمانهم من الموارد لإنهاء هجماتهم".
هذه الخطوة جاءت بالتزامن مع تعيين ماركو روبيو وزيراً للخارجية، حيث يكشف جزءاً من طبيعة السياسة الخارجية لإدارة ترامب، إذ يعرف بمواقفه الصارمة تجاه الحوثيين ونقده اللاذع لسياسة الرئيس السابق جو بايدن تجاه اليمن،
وطالب بتصنيفها جماعة إرهابية أكثر من مرة، ويتبنى آراء متشددة بشأن إيران.
و4 مارس أعلنت الخارجية الأمريكية دخول القرار حيز التنفيذ، مؤكدة أنها "لن تتسامح مع أي دولة تتعامل مع منظمات إرهابية مثل الحوثيين تحت غطاء الأنشطة التجارية المشروعة".
كما شددت على أن هذه الخطوة "تعكس التزام إدارة ترامب بحماية المصالح الأمنية الأمريكية وسلامة المواطنين، كما تساهم في الحد من الدعم الذي تتلقاه الجماعات الإرهابية".
وعشية دخول القرار حيز التنفيذ، أكد وزير الخارجية الأمريكي، خلال اتصال هاتفي مع نظيره العُماني بدر البوسعيدي (الاثنين 3 مارس)، على ضرورة وقف "الهجمات غير المشروعة" التي يشنها الحوثيون في البحر الأحمر والممرات البحرية المجاورة.
وتستضيف سلطنة عُمان مكتباً لجماعة الحوثي، حيث يقيم الناطق باسمها، محمد عبد السلام، إلى جانب قيادات أخرى، واختيرت مسقط وسيطاً للتفاهمات بين المليشيا والمجتمع الدولي.
تأثيرات واردة
إعادة تصنيف الولايات المتحدة للحوثيين "منظمة إرهابية"، وفق الباحث السياسي نجيب السماوي، "يعمق عزلة المليشيا سياسياً واقتصادياً"، مؤكداً أن "القرار مهم وهو عنوان مرحلة قادمة حساسة في المنطقة".
ويبين أن ما يحدث يؤكد أن اليمن دخل مرحلة جديدة، خصوصاً أن القرار سيعمل على "تجفيف منابع الحوثي الاقتصادية والمالية والسياسية والعسكرية وإضعافه قبيل المعركة القادمة التي قد تكون معركة عسكرية".
ويلفت، إلى أن القرار كان متوقعاً ضمن أجندة ترامب، حيث كان لافتاً منذ فوزه في الانتخابات وقبل وصوله إلى البيت الأبيض، من خلال تصريحاته، أنه ستزال أذرع إيران من الشرق الأوسط".
ويرى أن حلفاء إقليميين لأمريكا أعطوا صك بياض لترامب للمضي نحو هذه الخطوة، كما يقول، مثل: "السعودية والإمارات ومصر، لأنها تضررت كثيراً خلال السنوات الماضية"،
إضافة إلى "إسرائيل"؛ ولربما كان واحداً من تعهدات ترامب لها مقابل وقف إطلاق النار في غزة أن يصنف الحوثيين جماعة إرهابية".
ويشير إلى أن النص "متشدد وواضح بأنه يعاقب بنص فضفاض ويسمح بالتوسع بتأويله، كما يرد السياسيون في البيت الأبيض بمعاقبة أي طرف له علاقة مع جماعة الحوثيين، ومنها قطع التمويل الأمريكي عن أي منظمة لا تقوم بما يكفي من توثيق لانتهاكاتهم، أو بما يكفي في مواجهة الحوثيين عموماً".
وعن الحكومة اليمنية يقول: إنها "أمام فرصة تاريخية يجب أن تستغلها بعد أن فشلت سابقاً في استغلال القرار السابق الذي اتخذته إدارة ترامب السابقة"، مضيفاً: "إذا لم يتم استغلال هذه الفرصة فأعتقد أنها لن تحصل على فرصة أخرى".
فيما يقول الاقتصادي محمد سلام إن القرار سيكون له تأثير يتمثل في "تعزيز الضغط الدولي على الجماعة، ما قد يدفعها للتفكير في تقديم تنازلات والمشاركة بجدية في مسار السلام".
وإلى جانب ذلك يشير إلى أن هذه الخطوة تعد "رسالة قوية ضد الأنشطة التي تهدد الاستقرار في اليمن والمنطقة، وخصوصاً بما يقوم به الحوثيون في البحر الأحمر".
ويضيف : "قد يسهم أيضاً في تحفيز الجهات الدولية والمحلية على العمل على آليات بديلة لضمان وصول المساعدات الإنسانية مباشرة إلى المستفيدين، بعيداً عن تأثير المليشيا".
قرار سابق
هذا القرار كان قد سبقه قرار مماثل ضد جماعة الحوثي في يناير 2021 قبل انتهاء ولاية ترامب الأولى بأيام فقط، لكن إدارة الرئيس بايدن ألغته بعد توليها السلطة مباشرة، ولم يدم سوى أسابيع قليلة.
لكن تحت الضغوط التي تعرضت لها واشنطن بعد هجمات الحوثيين منذ نوفمبر 2023 على السفن في البحر الأحمر، أعاد البيت الأبيض إدراج الجماعة كـ "منظمة إرهابية عالمية" ولكن بقيود أقل عن التي فرضتها إدارة ترامب لاحقاً.
ومنتصف يناير الماضي، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على (بنك اليمن والكويت) في صنعاء بتهمة تقديم دعم مالي للحوثيين، ليصبح أول بنك تجاري في مناطق سيطرة الحوثيين تناله العقوبات الأمريكية بعد أن اقتصرت في السابق على 12 فرداً على صلة بالجماعة.
ومع ذلك لم تعطِ مليشيا الحوثي اهتماماً لتلك القرارات وواصلت هجماتها، حيث نفذت أكثر من 100 هجوم على السفن بالبحر الأحمر.
تقرير أمريكي: العقوبات على الحوثيين تكشف عن العلاقات بين الجماعة والمصالح الروسية والصينية بالمنطقة
أفاد تقرير أمريكي إن العقوبات الجديدة التي فرضها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية كشفت أن قادة الحوثيين قاموا بالتنسيق بنشاط مع المسؤولين الروس والصينيين لضمان عدم استهداف سفنهم خلال الهجمات البحرية المستمرة التي تشنها الجماعة في البحر الأحمر.
وقال الموقع الأمريكي " gCaptain" في تقرير له إن تصرفات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية تؤكد التقارير السابقة التي تفيد بأن الحوثيين المتمركزين في اليمن أبرموا اتفاقيات مع الصين وروسيا تسمح لسفنهم بالإبحار عبر المنطقة دون التعرض للهجوم.
وأضاف أنه وفقا لوثائق وزارة الخزانة، فإن محمد علي الحوثي، العضو البارز في المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، ضمن صراحة المرور الآمن للسفن الروسية مع الحفاظ على هجمات الطائرات بدون طيار والصواريخ ضد الشحن التجاري الآخر في المنطقة.
وأشار التقرير إلى أن الحوثي كان يخطط لإجراء مناقشات مع المسؤولين الروس بشأن المساعدات العسكرية لجماعة الحوثي.
وحسب التقرير فإن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية صرح في إعلانه: "في خضم حملة الهجوم البحري المستمرة التي يشنها الحوثيون، تواصل محمد علي مع مسؤولين من روسيا وجمهورية الصين الشعبية لضمان عدم قيام المسلحين الحوثيين بضرب السفن الروسية أو الصينية العابرة للبحر الأحمر".
وقال "بالنيابة عن الحوثيين، أوضح محمد علي التزام الحوثيين بضمان المرور الآمن للسفن الروسية".
جاءت الكشوفات الجديدة من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية -حسب التقرير- كجزء من مجموعة أوسع من العقوبات التي أُعلن عنها يوم الأربعاء ضد سبعة من كبار أعضاء الحوثيين، بما في ذلك أولئك الذين شاركوا في شراء الأسلحة والعمليات البحرية.
"لقد أظهر قادة الحوثيين نيتهم في مواصلة أعمالهم المتهورة والمزعزعة للاستقرار في منطقة البحر الأحمر"،
كما صرح وزير الخزانة سكوت بيسنت. "ستستخدم الولايات المتحدة كل الأدوات المتاحة لتعطيل أنشطة الحوثيين الإرهابية وتقليص قدرتهم على تهديد أفراد الولايات المتحدة وشركائنا الإقليميين والتجارة البحرية العالمية".
وطبقا للتقرير فإن العقوبات تكشف عن شبكة معقدة من التعاون بين الحوثيين وروسيا، بما في ذلك البعثات الدبلوماسية المتعددة إلى موسكو.
كان محمد عبد السلام، المتحدث باسم الحوثيين ومقره عمان، فعالاً في تنسيق عمليات شراء الأسلحة من روسيا، بما في ذلك ترتيب اجتماعات مع موظفي وزارة الخارجية الروسية.
يقول التقرير الأمريكي إنه في تطور مثير للقلق بشكل خاص، كشفت وزارة الخزانة أيضًا عن عملية للاتجار بالبشر حيث قام أفراد تابعون للحوثيين بتجنيد مدنيين يمنيين بحجج كاذبة للقتال من أجل روسيا في أوكرانيا.
وقد أدى هذا المخطط، الذي يتم تشغيله من خلال شركة الجابري للتجارة العامة والاستثمار، إلى توليد عائدات إضافية لعمليات الحوثيين المسلحة.
ولفت إلى أن العقوبات تأتي في أعقاب إجراءات متعددة من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية طوال عام 2024 تستهدف شبكات شراء الأسلحة الحوثية.
وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أمس الثلاثاء إعادة تصنيف جماعة أنصار الله، الاسم الرسمي للحوثيين، كمنظمة إرهابية أجنبية.
تأتي إعادة التصنيف بعد أن أزالت إدارة بايدن السابقة الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية في فبراير 2021 بسبب المخاوف الإنسانية في اليمن، فقط لتصنفهم مرة أخرى كإرهابيين عالميين محددين بشكل خاص (SDGT) في أوائل عام 2024 ردًا على الهجمات البحرية المتصاعدة.
بموجب هذه العقوبات الجديدة، يتم حظر جميع الأصول الموجودة في الولايات المتحدة للأفراد المحددين، ويُحظر على الأشخاص الأمريكيين إجراء معاملات معهم. بالإضافة إلى ذلك، تخاطر المؤسسات المالية الأجنبية بفرض عقوبات ثانوية على التعامل مع هؤلاء الأشخاص المحددين.
يمثل تأكيد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية على الاستهداف الانتقائي للسفن على أساس الجنسية تطورًا مهمًا في أزمة البحر الأحمر المستمرة، مما يسلط الضوء على العلاقات المتعمقة بين الحوثيين والمصالح الروسية والصينية في المنطقة.