
التمويل السعودي.. تعزيز لموقف الشرعية اليمنية ووقف انهيار الاقتصاد
يعيش اليمن منذ أعوام على وقع أزمات اقتصادية متلاحقة أعاقت قدرة حكوماته المتعاقبة على تثبيت الاستقرار النقدي والمالي، ومع كل موجة انهيار جديدة للعملة يعود الدعم الخارجي، خصوصاً السعودي، كأداة حاسمة لتخفيف حدة الأزمة ومنع الانهيار الشامل.
مطلع أغسطس 2025، سجل الريال اليمني تحسناً غير مسبوق بعد أن تجاوز الدولار حاجز 2,800 ريال في بعض المناطق، قبل أن يتراجع إلى نحو 1,632 ريالاً، هذا التحسن اعتُبر من أكبر القفزات منذ عام 2018، لكنه ظل هشاً أمام ضغوط نقص الاحتياطيات الأجنبية وتراجع الإيرادات الحكومية.
في ظل هذا الواقع جاء الإعلان السعودي عن حزمة مالية جديدة كأبرز تدخل خارجي هذا العام ليطرح تساؤلات حول ما إذا كان قادراً على منح الحكومة متنفساً أطول، وتعزيز موقع مجلس القيادة الرئاسي، أو أن الأزمة النقدية ستبقى مرهونة بعوامل غير مستقرة داخلياً وخارجياً.
دعم مهم
في الـ20 من سبتمبر 2025، أعلنت السعودية حزمة دعم اقتصادي وتنموي لليمن بقيمة 1.380 مليار و250 ألف ريال سعودي (نحو 368 مليون دولار) عبر "البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن"،
وأكدت أن المبلغ مخصص لموازنة الحكومة والمشتقات النفطية، إضافة إلى دعم تشغيل مستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن.
وأوضحت وزارة الخارجية السعودية أن القرار صدر بتوجيه من الملك سلمان، وبناءً على ما رفعه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، استجابة لطلب رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي،
واعتبرت الرياض أن الهدف هو المساهمة في "إرساء مقومات الاستقرار الاقتصادي والمالي والغذائي"، ضمن آليات حوكمة مرتبطة بخطة الإصلاحات الحكومية.
العليمي رحب بالمبادرة في تدوينة على منصة "إكس"، واعتبر أن الدعم "يترجم النهج الأخوي للمملكة والتزامها القوي إلى جانب الشعب اليمني"،
وأكد أن تخصيص جزء من الأموال للقطاع الصحي يعكس بعداً إنسانياً، إلى جانب دعم الإصلاحات المالية، مشيراً إلى أن هذه الحزمة تمنح دفعة قوية لمسار التعافي.
وأضاف العليمي أن المساعدة ستساعد الحكومة والبنك المركزي على الإيفاء بالتزاماتها العاجلة، من ذلك تمويل الموازنة وتغطية النفقات التشغيلية الأساسية،
وشدد على أن الدعم السعودي يمثل استمراراً لشراكة استراتيجية تعزز قدرات الدولة في إدارة الأزمة الاقتصادية وتثبيت خطواتها الإصلاحية.
دعم سابق
وتؤكد الرياض أن الحزمة الجديدة تضاف إلى سلسلة مبادرات سابقة جعلتها الممول الأكبر للحكومة اليمنية منذ اندلاع الحرب عام 2015،
فبين عامي 2018 و2021، قدمت السعودية أكثر من 11 مليار دولار على شكل ودائع نقدية للبنك المركزي في عدن، إضافة إلى شحنات مشتقات نفطية لتشغيل محطات الكهرباء وتخفيف أزمة الوقود.
وفي أغسطس 2022، أعلنت السعودية والإمارات وديعة مشتركة بقيمة 3 مليارات دولار لصالح البنك المركزي اليمني، بينها ملياران من الرياض ومليار من أبوظبي.
وقدّمت الرياض، في ديسمبر 2024، دعماً إضافياً بقيمة 500 مليون دولار، وُجّه جزء منه لتغطية عجز الموازنة الحكومية، وهو ما ساعد حينها على تثبيت سعر الصرف مؤقتاً.
وبحسب بيانات رسمية، تجاوزت قيمة ما قدمته الرياض منذ 2015 الـ17 مليار دولار، توزعت بين ودائع نقدية، ومساعدات نفطية، ومشاريع عبر "البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن"،
هذا الحجم من التدخل جعل الاقتصاد اليمني مرتبطاً مباشرة باستمرار تدفق المساعدات السعودية.
فرصة للإيفاء بالالتزامات
يقول المحلل الاقتصادي محمد أحمد سلامة: إن "المساعدات السعودية الأخيرة توفر دفعة عاجلة لمالية الحكومة اليمنية، وتمنحها فرصة للإيفاء ببعض التزاماتها الأساسية مثل الرواتب والنفقات التشغيلية، لكنها لا تكفي وحدها لبناء استقرار دائم".
وأضاف أن "أهمية الحزمة تكمن في أنها جاءت بعد أشهر من انهيار غير مسبوق للعملة المحلية، وتزامنت مع تحسن مفاجئ للريال، مطلع أغسطس، وهو ما جعلها تُقرأ كعامل تعزيز لمسار الإصلاحات النقدية التي بدأت الحكومة تنفيذها مؤخراً".
ويوضح أن "المشكلة الجوهرية ليست فقط في غياب السيولة، بل في توقف موارد رئيسية مثل صادرات النفط التي كانت تمثل أكثر من ثلثي إيرادات الدولة بالعملة الصعبة، ما يجعل أي دعم خارجي مجرد حل إسعافي إذا لم تتوافر مصادر دخل منتظمة".
وأشار إلى أن "وجود مصرفين مركزيين في عدن وصنعاء يضاعف التحديات، حيث تعيش البلاد انقساماً نقدياً عميقاً، ومن ثم فإن الحزم السعودية تعطي الحكومة الشرعية ثقلاً إضافياً، لكنها لا تُنهي حالة الانقسام التي تمثل أحد أخطر أسباب الأزمة".
وأكد أن "المساعدات السعودية -مهما بلغت قيمتها- ستظل مؤقتة الأثر ما لم تُقرن بآليات حوكمة صارمة، وإصلاحات مالية حقيقية، إلى جانب تدفقات خارجية منتظمة، وهو ما يحدد فعلياً ما إذا كانت هذه الخطوات ستوقف الانهيار الاقتصادي أو مجرد تبطئه لفترة محدودة".
تحركات حكومية وعوائق
الحكومة اليمنية بدأت، منذ يونيو 2025، خطوات وصفت بالجادة، فقد شكلت "اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات"، التي تضم ممثلين عن البنك المركزي ووزارات وهيئات تجارية. ومع بدء عملها في يوليو، ساهمت في ضبط الطلب على النقد الأجنبي عبر تحديد أولويات الاستيراد ومنع شراء العملات من السوق السوداء، ما ساعد في تهدئة الأسواق.
ودخلت الولايات المتحدة على خط الأزمة عبر وزارة الخزانة التي عقدت اجتماعات مع البنك المركزي اليمني والبنوك المحلية لتعزيز الامتثال للعقوبات على كيانات مالية حوثية، كما فرضت واشنطن عقوبات على محافظ البنك المركزي الحوثي وعدة مصارف مرتبطة بالجماعة، في خطوة قالت إنها تهدف إلى تقوية النظام المالي الشرعي.
لكن التحدي الأكبر للحكومة يبقى توقف صادرات النفط منذ أكتوبر 2022، بعد هجمات الحوثيين على موانئ الضبة والنشيمة وقنا في حضرموت وشبوة.
وتشير بيانات رسمية إلى أن خسائر اليمن جراء ذلك بلغت أكثر من 7.5 مليار دولار خلال عامين، بعدما كان النفط يشكل نحو 70% من إيرادات الحكومة بالعملة الصعبة.
هذا التراجع الحاد في الموارد ترافق مع انقسام مالي أعمق، حيث يدير الحوثيون بنكاً مركزياً في صنعاء مقابل البنك المركزي الحكومي في عدن ويعملون على فصل مالي بتحركات متسارعة من بينها سك عملات نقدية جديدة.