
هل يتجه العرب لوقف التطبيع ودفن اتفاقات السلام مع "إسرائيل"؟
تشير القرارات التي خرجت بها الدول العربية في الاجتماع الوزاري الذي عُقد أخيراً، إلى أن اتفاقيات التطبيع باتت على المحك؛ في ظل تمادي تل أبيب في ممارسة سياستها الإجرامية في غزة، والتوسعية لاحتلال أراضٍ عربية،
في حين يرى مراقبون أن الموقف العربي خجول، ومسار التطبيع مرشح للتوسع.
أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أكد في مؤتمر صحفي عقب اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة الخميس (4 سبتمبر 2025)، أن الدول العربية اتفقت على التحرك في اتجاهين: "السعي لوقف حرب الإبادة، والحفاظ على مشروع الدولة الفلسطينية".
أبو الغيط أشار إلى تقديم مصر والسعودية مشروع قرار خاصاً حول التعاون العربي في الشرق الأوسط، يلخص الموقف العربي من القضية الفلسطينية، ويؤكد مبدأ سيادة الدول العربية ورفض أية تلميحات بالمساس بهذه السيادة.
من بين أبرز الفقرات التي جاءت في القرار، "عدم إمكانية التعويل على ديمومة أي ترتيبات للتعاون والتكامل والتعايش بين دول المنطقة في ظل استمرار احتلال بعض الأراضي العربية أو التهديد المبطن باحتلال أو ضم أراض عربية".
ما ذكره أبو الغيط يشير إلى أن اتفاقيات التطبيع التي أبرمتها دول عربية مع "إسرائيل" باتت مهددة بالإبطال.
حتى اليوم هناك 6 دول عربية تملك علاقات طبيعية مع "إسرائيل": مصر عام 1979، الأردن عام 1994، وصولاً إلى ما سمي بـ"الاتفاقيات الإبراهيمية" ووقعتها كل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان عام 2020.
تمادي "إسرائيل"
يأتي تصريح أبو الغيط، في حين تواصل "إسرائيل" سياستها العدوانية في أكثر من اتجاه على الساحات العربية.
حتى ساعة كتابة هذا التقرير، بلغ عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر 2023، 64 ألفاً و368 شهيداً، و162 ألفاً و367 مصاباً، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، ومجاعة قاتلة.
يضاف إلى ذلك، أقرت الحكومة الإسرائيلية في 8 أغسطس الماضي، خطة طرحها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لاحتلال غزة بالكامل تدريجياً. فضلاً عن هذا خطة أخرى تتعلق باحتلال الأراضي الفلسطينية بالكامل في الضفة الغربية.
حكومة الاحتلال لم تكتفِ بإثارة الغضب العربي عبر التوسع داخل الأراضي الفلسطينية بل تعدت ذلك؛ حيث أعلن نتنياهو ما تسمى بـ"دولة إسرائيل الكبرى" التي - وفق المعتقد اليهودي - تمتدّ لتشمل أراضي 6 دول عربية، هي سوريا ولبنان والأردن وجزء من مصر والسعودية، بما يحقق الحلم الصهيوني "من النيل حتى الفرات".
مصير العلاقات مع تل أبيب
دولة مصر
- تواصل إدانة الجرائم الإسرائيلية رغم علاقاتها السياسية والاقتصادية مع تل أبيب.
- وزير الخارجية بدر عبد العاطي (5 سبتمبر 2025)، ندّد بجرائم الإبادة في غزة، مشدداً على رفض مصر تهجير الفلسطينيين.
دولة الإمارات
- وقّعت الاتفاق الإبراهيمي بشرط أساسي هو وقف خطة ضم الضفة الغربية.
- ترفض بشدةٍ الجرائم الإسرائيلية وخطط التوسع في غزة.
- لانا نسيبة أكدت لـ"رويترز"، أن نية الضم تقوض روح اتفاقات أبراهام.
المملكة الأردنية
- تعتبر تهجير الفلسطينيين "خطاً أحمر".
- أيمن الصفدي حذر خلال القمة الوزارية الأخيرة، من تفاقم العدوانية الإسرائيلية، وأنها تهدد النظام العربي وأمن المنطقة.
المملكة العربية السعودية
- ترفض المشاريع الاستيطانية والتوسعية الإسرائيلية.
- تشترط لأي اتفاق مع تل أبيب حلّ الدولتين وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
- تؤكد أن التطبيع لن يتم دون استيفاء هذه الشروط.
مستقبل المنطقة
الباحث في الشؤون الدولية د. طارق عبود، الذي تحدث لـ"الخليج أونلاين"، يرى أنه "ليس واضحاً أنّ النظام العربي من الممكن أن يكون له موقف تصعيدي اتجاه الكيان المحتل".
ويستطرد عبود في حديثه، متطرقاً إلى جرائم "إسرائيل" في قطاع غزة، وموقف "بعض العرب" من "حماس"، الذي يتخذونه "مبرراً لغضّ النظر عن جريمة الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان، ولكن هناك ممارسات أخرى لا تقل إجراماً عما يحصل في غزة".
ويلفت إلى أن من هذه الجرائم "قرار ضم الضفة الغربية، وتوسيع الاستيطان، وتهشيم السلطة الفلسطينية، والإعلان بشكل واضح عن مشروع إسرائيل الكبرى الذي أعلنه نتنياهو أمام العالم وليس بشكل سري".
ويواصل قائلاً: "نضيف إلى ما تقدم، احتلال آلاف الكيلومترات في سوريا والاعتداءات اليومية على الأراضي السورية، ولا ننسى لبنان الذي يعاني من الاعتداءات والاحتلال، مع أنه التزم باتفاقية وقف إطلاق النار!".
لذلك، يلفت عبود إلى أنه "ليس واضحاً أنّ الدول العربية المطبعة مع الاحتلال سيكون لها موقف حاسم وواضح"، واصفاً موقف الأمين العام للجامعة العربية بأنه "موقف سياسي إعلامي لا يحمل مضامين سياسية حاسمة".
ضغوط وتطبيع مستبعد
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي أسامة محمد ، إن الدول العربية "تحاول ممارسة ضغوط سياسية ودبلوماسية على إسرائيل لوقف الحرب في غزة، لكن هذه الضغوط ما زالت متفرقة وغير كافية لتغيير سلوك تل أبيب".
وأضاف أن "مسار التطبيع يواجه مأزقاً حقيقياً، فمع استمرار الجرائم الإسرائيلية يصعب المضي في بناء علاقات طبيعية، وهو ما تدركه عدة عواصم عربية رغم اختلاف مقارباتها".
وأشار محمد إلى أن "الموقف العربي ما زال يتسم بالحذر والخجل، لكنه يعكس في الوقت ذاته قناعة متنامية بأن إسرائيل لن تستطيع فرض أجندتها التوسعية دون تكلفة سياسية"،
معتبراً أن "التطبيع في صورته الحالية سيبقى هشّاً ما لم تتوقف الاعتداءات ويُفتح أفق حقيقية لحل الدولتين".
بدوره، انتقد الكاتب والباحث السياسي ياسر عبد العزيز، موقف الجامعة العربية، بدءاً من التصريحات الأخيرة لبنيامين نتنياهو، حين أعلن "إسرائيل الكبرى"، لافتاً إلى أن الرد العربي جاء متأخراً.
عبد العزيز ، أشار إلى أن الحكومات العربية تتجنب مواجهة الحقيقة أو إعلان مواقفها الحقيقية، رغم أن الشارع العربي "غاضب بشدة ورافض بشدة" لهذه المسارات.
واستطرد قائلاً: "بعض العقلاء في الحكومات العربية يدركون خطورة هذا المسار".
وعليه يرى عبد العزيز ما توصل إليه وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأخير بالقاهرة لا يتجاوز كونه "تصريحاً خجولاً"، غير قادر على مواجهة الواقع الذي تتجه إليه المنطقة.