
توتر عسكري بين كراكاس وواشنطن... وروبيو يقود التحريض
الرأي الثالث -
ارتفع منسوب التوتر بين كراكاس وواشنطن، مع توجيه وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) تحذيراً لفنزويلا، بعد تحليق طائرتين حربيتين قرب سفينة حربية أميركية في البحر الكاريبي، في تصعيد كبير بين البلدين،
يأتي في إطار سياسة يطالب بها وزير الخارجية ماركو روبيو منذ زمن، وصلت إلى حد مطالبته باستهداف قادة دول أميركا اللاتينية اليساريين.
وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية، أمس الجمعة، أن طائرتين عسكريتين فنزويليتين حلّقتا الخميس الماضي قرب سفينة تابعة للبحرية الأميركية، محذرة كراكاس من أي تصعيد إضافي بعد هذه "الخطوة الاستفزازية للغاية".
وتزيد هذه الواقعة، التي قالت وزارة الدفاع إنها حدثت في المياه الدولية، من التوتر بين كراكاس وواشنطن بعد يومين فقط من غارة أميركية أسفرت عن مقتل 11 شخصاً على متن سفينة من فنزويلا،
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنها كانت تحمل مواد مخدرة.
وقال البنتاغون، في منشور على منصة إكس: "حلقت طائرتان عسكريتان تابعتان لنظام (الرئيس الفنزويلي نيكولاس) مادورو بالقرب من سفينة تابعة للبحرية الأميركية في المياه الدولية"،
واصفاً ما حدث بأنه "خطوة استفزازية للغاية". وأضاف البنتاغون: "ننصح بشدة الكارتل الذي يدير فنزويلا بعدم القيام بأي محاولة أخرى لعرقلة عمليات مكافحة المخدرات ومكافحة الإرهاب التي ينفذها الجيش الأميركي أو ردعها أو التدخل فيها".
وتتهم إدارة ترامب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بتزعم كارتل للمخدرات، وقد ضاعفت أخيراً مكافأة وضعتها لإلقاء القبض عليه إلى 50 مليون دولار.
ونشرت واشنطن سفناً حربية في جنوب البحر الكاريبي في ظل تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وفنزويلا.
وأعلن ترامب أن القوات الأميركية هاجمت في البحر الكاريبي الثلاثاء الماضي قارباً محملاً بالمخدرات أبحر من فنزويلا متجهاً إلى الولايات المتّحدة، ما أسفر عن مقتل 11 "إرهابي مخدرات".
وزعمت إدارة ترامب أنهم أعضاء بعصابة "ترين دي أراغوا" التي تهرب المخدرات إلى الولايات المتحدة، والتي كانت واشنطن صنفتها منظمة إرهابية في وقت سابق من العام الحالي.
وهذا الهجوم يمثل تصعيداً كبيراً من جانب الولايات المتحدة، التي اعتمدت لعقود على عمليات أمنية روتينية بدلاً من استخدام القوة المميتة لمصادرة المخدرات.
حشد عسكري يثير قلق كراكاس
وأشارت وكالة رويترز إلى أن وزارة الاتصالات الفنزويلية لم ترد على طلب للتعليق على الاتهامات الأميركية لكراكاس.
وقال مسؤول أميركي طلب عدم الكشف عن هويته لـ"رويترز" إن الطائرتين الفنزويليتين من طراز "إف-16" حلقتا قرب السفينة "يو إس إس جيسون دنهام"، وهي واحدة من سبع سفن حربية أميركية منتشرة في منطقة البحر الكاريبي،
وتحمل أكثر من 4500 بحار ومن مشاة البحرية في حشد عسكري أثار قلق كراكاس.
وقرار ترامب بتفجير سفينة مخدرات مشتبه بها تمر عبر منطقة البحر الكاريبي، بدلاً من الاستيلاء على السفينة واعتقال طاقمها، أمر غير معتاد، ويستحضر ذكريات القتال الأميركي ضد الجماعات المسلحة مثل تنظيم القاعدة.
ودافع وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث عن الضربة في تصريحات للصحافيين أول من أمس الخميس، متعهداً بأن مثل هذه الأنشطة ستستمر.
كما أشار إلى التهديد الذي تشكله المخدرات على الصحة العامة في الولايات المتحدة، مشدداً على أنه "انتهى زمن تسميم الشعب الأميركي".
في المقابل، دانت النائبة الديمقراطية إلهان عمر ما وصفته بأفعال ترامب "الخارجة عن القانون" في جنوب البحر الكاريبي.
سياسة روبيو بشأن فنزويلا
وقالت وكالة أسوشييتد برس إن الضربة المميتة على قارب يقول مسؤولون أميركيون إنه كان يحمل مخدرات من فنزويلا يعتبر بمثابة تحول مذهل في العلاقات بين البلدين، لكن تصاعد الضغط على كراكاس يأتي في إطار سياسة يطالب بها روبيو منذ زمن.
وكان روبيو وصف فنزويلا على أنها بقايا الأيديولوجية الشيوعية في نصف الكرة الغربي، وهو ضغط باستمرار من أجل الإطاحة بمادورو، داعياً إلى فرض عقوبات اقتصادية على كراكاس، بل ودافع عن التدخل العسكري الأميركي في الحروب.
وقال روبيو، السيناتور السابق عن فلوريدا، في مقابلة إذاعية في العام 2018: "أعتقد أنه يجب استخدام القوات المسلحة الأميركية فقط في حالات تهديد الأمن القومي.
أعتقد أن هناك حجة قوية يمكن تقديمها الآن بأن فنزويلا ونظام مادورو أصبحا تهديداً للمنطقة وللولايات المتحدة".
وقبل انضمامه إلى إدارة ترامب، كان روبيو يمثل جناحاً متشدداً في الحزب الجمهوري، بدا في بعض الأحيان على خلاف مع شعار ترامب "أميركا أولاً".
وبينما وعد ترامب بعدم شن المزيد من الحروب الخارجية، حذر روبيو ومسؤولون آخرون في الإدارة الأميركية من شن المزيد من العمليات ضد مهربي المخدرات في أميركا اللاتينية ما زاد من الضغط على مادورو الذي سعى روبيو منذ فترة طويلة إلى مواجهته.
وقال روبيو للصحافيين، أول من أمس الخميس: "قال الرئيس إنه يريد شن حرب على هذه الجماعات لأنهم يشنون حرباً علينا منذ 30 عاماً، ولم يستجب أحد" لوقفهم.
وقبل أن يتم تعيينه كوزير للخارجية في 21 يناير/كانون الثاني الماضي، كان روبيو ضغط، خلال ولاية ترامب الأولى، من أجل تشديد أميركا سياستها تجاه الدول في أميركا اللاتينية.
وأشارت "أسوشييتد برس" إلى أنه بالنسبة لروبيو فإن اهتمامه كان باستهداف قادة أميركا اللاتينية اليساريين شخصياً، موضحة أن والديه مهاجران كوبيان وصلا إلى ميامي في العام 1956، قبل سنوات قليلة من ثورة فيدل كاسترو في 1959.
ونشأ في ميامي، حيث لجأ العديد من الكوبيين بعد وصول كاسترو إلى السلطة. وساعد انتقاده المستمر للشيوعية في الحصول على دعم الآلاف من أعضاء الشتات الفنزويلي الذين جعلوا فلوريدا موطنهم الجديد هرباً من الأوضاع الاقتصادية والاضطرابات في عهد مادورو وسلفه الراحل هوغو تشافيز، الذي تولى السلطة في عام 1999.
ودعا روبيو مراراً إلى مزيد من الإجراءات ضد تشافيز ومن ثم مادورو.
وقال جيف رامزي، كبير محللي شؤون فنزويلا في المجلس الأطلسي، وهو مؤسسة بحثية مقرها واشنطن، لـ"أسوشييتد برس"، إن روبيو "يرى فرصة للمضي قدماً في سياسة أميركية أكثر عدوانية تجاه أميركا اللاتينية".
وأشارت الوكالة إلى أنه بعد أن تفوق ترامب على روبيو في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في العام 2016 وتولي منصبه لاحقاً في عام 2017، أصبح روبيو مستشاراً في الظل وكان المحرك الرئيسي للعقوبات ضد كبار المسؤولين الفنزويليين بسبب انتهاكات حقوق الإنسان وتهريب المخدرات.
وركزت العديد من خطابات روبيو المتلفزة وتصريحاته الرسمية على فنزويلا. ففي العام 2019، اعتبر أن هناك "حجة مقنعة" بأن الوضع في فنزويلا يمثل تهديداً للأمن القومي لأميركا.
وقال وقتها إن "الغالبية العظمى من الأميركيين لا تريد جيش (الرئيس الروسي) فلاديمير (بوتين) في أي مكان في نصف الكرة الأرضية، وهذا بالضبط ما سيحدث إذا بقي مادورو في السلطة. هذا وحده يمثل تهديداً للأمن القومي للولايات المتحدة".
(فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)