
الغارات على اليمن أضرت بالبنى التحتية الصحية وأدت لانتشار أسوأ حالات كوليرا في العالم
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعده جوشوا يانغ وبريان بيرلمان، قالا فيه إن الأزمة الصحية في اليمن زادت سوءا بسبب قطع المساعدات الأمريكية الأجنبية والغارات الإسرائيلية والأمريكية.
ويواجه اليمن اليوم ما يقول خبراء الصحة العالميون إنه أسوأ حالات تفشي مرض الكوليرا وسط تضرر المنشآت الصحية والمياه والنقل.
وأضافت الصحيفة أن اليمن يواجه أزمة إنسانية متفاقمة، وعلى وجه الخصوص، وباء الكوليرا، في أعقاب الغارات الجوية الأمريكية والإسرائيلية في الربيع،
بالإضافة إلى تخفيض إدارة ترامب للمساعدات، وكذلك العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وفقا لأطباء وعاملين في المجال الإنساني عملوا في البلاد.
وقال أطباء وخبراء صحة إن الهجمات على الموانئ والبنية التحتية المدنية، مثل العيادات الصحية، قد قطعت شرايين الحياة للإمدادات الأجنبية وأضرت باقتصاد اليمن، الذي يعد بالفعل أحد أفقر دول العالم.
الهجمات على الموانئ والبنية التحتية المدنية، مثل العيادات الصحية، قد قطعت شرايين الحياة للإمدادات الأجنبية وأضرت باقتصاد اليمن
ودائما ما كافحت البنية التحتية الصحية الهشة في اليمن لاحتواء تفشي الكوليرا الصيفي السنوي.
وأدى توقف المساعدات الأجنبية وعدم وصولها لأجزاء البلاد الواسعة التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون في الربيع، إلى تدهور الوضع أكثر.
وسجل اليمن أكثر من 50,000 حالة اشتباه بالإصابة بالكوليرا، و149 حالة وفاة مرتبطة بها بين كانون الثاني/ يناير ومنتصف تموز/ يوليو، وفقا لنهى محمود، نائبة رئيس مكتب منظمة الصحة العالمية في اليمن.
وقالت إن وباء الكوليرا قد أثر على 96% من البلاد، و”لا يزال يعد أحد أسوأ حالات تفشي المرض في العالم”.
وقالت أمة الكريم، طبيبة في غرفة الطوارئ بالعاصمة صنعاء، إن الحالات بدأت في الارتفاع منذ حوالي ثلاثة أشهر. ويصل حوالي 30% من مرضاها الآن طلبا للعلاج من أعراض الكوليرا.
وأضافت: “هذه هي المرة الأولى التي نواجه فيها مثل هذه الأزمة”.
كنا نستطيع في السابق “التعامل معها، ولكن في الآونة الأخيرة انتشرت حالات الكوليرا في كل مكان”. وتحدثت بشرط عدم نشر سوى اسمها الأول.
وفي كانون الثاني/ يناير 2024 شنت القوات الأمريكية والبريطانية غارات على الحوثيين.
وأوقفت القيادة المركزية الأمريكية بقيادة الرئيس جو بايدن العمليات في كانون الثاني/ يناير 2025، خلال وقف إطلاق نار قصير الأمد في قطاع غزة.
لكن إدارة ترامب استأنفت الضربات الأمريكية في آذار/ مارس، مما أدى إلى تسريع وتيرتها وتوسيع نطاق الأهداف المقبولة، وهو ما أسفر سقوط ما لا يقل عن 200 مدنيا، وفقا لتحقيق أجرته منظمة “إيرورز”، وهي منظمة مراقبة مقرها لندن.
وانتهت الضربات، التي أُطلق عليها اسم “عملية الفارس الخشن”، في أيار/ مايو، عندما أعلن ترامب وقف إطلاق النار مع الحوثيين مقابل توقف الجماعة المتمردة عن هجماتها على السفن الأمريكية.
وقال الكابتن تيم هوكينز، المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية: “تأخذ القيادة المركزية الأمريكية جميع التقارير عن إلحاق الضرر بالمدنيين على محمل الجد”.
وأضاف: “يجري حاليا تقييم شامل للضرر الذي لحق بالمدنيين خلال عملية الفارس الخشن”.
وفي أواخر تموز/ يوليو، أعلن الحوثيون أنهم سيواصلون استهداف السفن التي تتعامل مع الموانئ الإسرائيلية بغض النظر عن جنسيتها.
كما واصلوا إطلاق الصواريخ على إسرائيل، مما استدعى ردا انتقاميا إسرائيليا، بما في ذلك ضربات الأسبوع الماضي التي أودت بحياة رئيس الوزراء أحمد الرهوي وعدد من كبار المسؤولين الآخرين.
وتقول الصحيفة إن الحملة الجوية الأوسع، التي شهدت أيضا ضربات على وسائل النقل والمرافق الطبية، أثرت سلبا على نظام الرعاية الصحية المحاصر بالفعل بعد عقد من الحرب الأهلية.
وفي بعض الحالات، قصفت القوات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية عمدا موانئ بحرية ومطارات، مدعية أنها “أهداف عسكرية مشروعة”.
وفي بداية أيار/ مايو 2024، قصفت القوات الأمريكية والإسرائيلية أكثر من مرة، ميناءي رأس عيسى والحديدة، وفقا لبيانات منظمة “إيرورز”.
وقالت الأمم المتحدة إن الحديدة وحدها كانت تستقبل عادة حوالي 80% من المساعدات القادمة إلى شمال اليمن.
وقالت ماريسا ليستر، المنسقة الطبية لمنظمة “أطباء بلا حدود”، والتي كانت تعمل في اليمن حتى أوائل آب/ أغسطس: “أصبحت سلسلة التوريد الدولية مصدر قلق كبير”،
مضيفة: “بدأنا في دق ناقوس الخطر في تشرين الثاني/ نوفمبر [لمنظمة أطباء بلا حدود] بأننا قلقون حقا من أن شحناتنا البحرية، التي كان من المقرر أن تصل في كانون الثاني/ يناير وشباط/ فبراير، لن تتمكن من الوصول”.
وقالت ليستر إن شحنة كانون الثاني/ يناير وصلت قبل قصف إسرائيل للميناءين مباشرة. ولم تصل أي شحنات منذ ذلك الحين.
ووصفت الصحيفة المستشفى الذي تعمل فيه أمة الكريم وهو من أكبر مستشفيات العاصمة صنعاء، بأنه “شبه فارغ” من الأدوية والمعدات الطبية الأساسية، من الشريط اللاصق والجص إلى جهاز التصوير المقطعي الذي يعمل بالكمبيوتر.
وأضافت: “حتى المحلول الملحي العادي، لا يمكننا توفيره للمرضى ونطلب منهم شراءه بأنفسهم”.
وأضافت أن النقص “موجود منذ فترة طويلة، لكننا بدأنا نلاحظ أثره. وفي السابق، كنا نحاول التعامل معه ببساطة، والبحث عن حلول بديلة. أما الآن، فقد استنفدت جميع الحلول البديلة والأمور تتدهور باستمرار، ولا ضوء في نهاية النفق”.
كما ألحقت الغارات أضرارا بالبنية التحتية للمياه، فقد أصابت غارة أمريكية في الأول من نيسان/ أبريل منشأة مياه في محافظة الحديدة وخزان مياه في قرية مجاورة، وفقا لتقييم أجراه أحمد ناجي، كبير محللي الشؤون اليمنية في مجموعة الأزمات الدولية.
الهجمات أدت إلى انقطاع المياه عن 50,000 شخص في اليمن. وقد يؤدي نقص المياه الصالحة للشرب إلى الإصابة بالكوليرا
وأفادت وسائل إعلام حوثية أن الهجمات أدت إلى انقطاع المياه عن 50,000 شخص.
وقال أمة الكريم: “هناك المزيد من الغارات التي تحدث، وتسبب المزيد من الضرر لبنيتنا التحتية، وتلوث مياهنا”.
وقد يؤدي نقص المياه الصالحة للشرب إلى الإصابة بالكوليرا. وقد زادت الغارات الجوية على المرافق الطبية من صعوبة علاج العدد المتزايد من المرضى والجرحى.
ففي ليلة الأول من نيسان/ أبريل، مثلا، دمرت غارة جوية أمريكية عيادة خارجية ريفية تمولها وتزودها منظمة العمل ضد الجوع الفرنسية غير الحكومية، حسب تقرير للمنظمة ووسائل إعلام الحوثيين الرسمية.
وقال دانيال نيابيرا، المدير الإقليمي للمنظمة في اليمن، إن منظمة العمل ضد الجوع أطلقت محاولة مؤقتة لتوفير العلاج الأساسي، بما في ذلك علاج أعراض الكوليرا، لـ14,000 شخص كانت العيادة تخدمهم سابقا، لكن الكثير من عمل المنظمة في المنطقة قد تضرر.
وقال: “في أجزاء من اليمن، تعد منظمة العمل ضد الجوع واحدة من المنظمات غير الحكومية القليلة التي تقدم الدعم، حيث لا تعمل إلا نسبة 50% من المرافق الصحية”، و”هذا مؤشر صارخ على الفجوة المتزايدة في الوصول إلى الرعاية الصحية”.
وتضافرت عوامل مثل تخفيضات إدارة ترامب للمساعدات الأمريكية والعقوبات على اليمن، في إلحاق المزيد من الضرر بالاقتصاد اليمني ونظام الرعاية الصحية.
ويعتمد أكثر من 24 مليون يمني، يمثلون حوالي 80% من السكان، على المساعدات، وفقا للأمم المتحدة، وجاء حوالي نصف تلك المساعدات من الولايات المتحدة.
وقد رفعت إدارة بايدن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية بسبب مخاوف من أن هذا التصنيف يمنع منظمات الإغاثة الأمريكية من العمل في اليمن.
وفي كانون الثاني/ يناير، قال الرئيس دونالد ترامب إن الولايات المتحدة ستعيد تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية. ومنذ ذلك الحين، اضطرت منظمات الإغاثة الأمريكية إلى وقف عملياتها لتجنب انتهاك العقوبات.
وقال مسؤول إغاثة كبير تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن أكثر من ثلث العيادات الصحية في اليمن البالغ عددها 767 عيادة، بما في ذلك في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون وغير الخاضعة لسيطرتهم،
قد أغلقت أبوابها في أعقاب تخفيضات المساعدات، وإعادة فرض العقوبات الأمريكية. وهو ما سيزيد من مصاعب مواجهة تفشي الكوليرا.
ولهذا باتت حالات المرض التي يسهل علاجها مهددة للحياة. قالت أمة الكريم: “علاج الكوليرا بسيط للغاية”، وعادة ما يقتصر على تعويض السوائل المفقودة في كثير من الحالات.
لكن “لا يستطيع المرضى تحمل تكاليف الذهاب إلى المستشفى، لذا يستمرون في تأجيل العلاج حتى تبدأ المضاعفات بالظهور، ثم يأتون إلى المستشفى”.
أكثر من ثلث العيادات الصحية في اليمن البالغ عددها 767 عيادة، أغلقت أبوابها في أعقاب تخفيضات المساعدات، وإعادة فرض العقوبات الأمريكية
وأضافت أمة الكريم أنه مع وصول المرضى وفحصهم، يكونون قد فقدوا الكثير من السوائل لدرجة أنهم لا يستطيعون ضخ ما يكفي من الدم إلى قلوبهم.
وشهد اليمن في الفترة ما بين 2016 و 2022 أسوأ حالات تفشي الكوليرا، حيث سجلت 2.5 مليون حالة،
ووفقا لنتائج دراسة أجريت عام 2023 ونشرت في مجلة “لانسيت”، وارتبطت الغارات الجوية التي شنها التحالف بقيادة السعودية ضد الحوثيين خلال تلك الفترة “بشكل كبير” بحالات الكوليرا.
ويخشى أخصائيو الصحة العامة الآن من تكرار وباء بهذه الأبعاد. وتقول مايا تارناس، الباحثة في الصحة العامة والمؤلفة المشاركة في دراسة “لانسيت”: “الظروف الآن هي نفسها، إن لم تكن أسوأ مما كانت عليه بين عامي 2016 و2019”.
وقالت امرأة في صنعاء، تحدثت شريطة عدم الكشف عن هويتها: “لم تختف الكوليرا قط بقدر ما انخفضت وتيرتها لبعض الوقت. لكن قبل أربعة أو خمسة أشهر، بدأت تعود بقوة”.
وأضافت أن هذا ليس مصدر القلق الوحيد، “لا يقتصر الأمر على تدهور الاقتصاد ولا على ارتفاع أسعار كل شيء، ولا على محاولة تعليم أطفالنا بأفضل طريقة ممكنة، فنحن لا نملك الأمان لنفكر: سأستيقظ غدا وقد أكون على قيد الحياة”.